صفحة جزء
باب متى يصح سماع الصغير

76 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي
قوله : ( باب متى يصح سماع الصغير ) زاد الكشميهني : " الصبي الصغير " . ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمل . وقال الكرماني : إن معنى الصحة هنا جواز قبول مسموعه . قلت : وهذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة . وأشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال : أقل سن التحمل خمس عشرة [ ص: 206 ] سنة لكون ابن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها . فبلغ ذلك أحمد فقال : بل إذا عقل ما يسمع ، وإنما قصة ابن عمر في القتال . ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم ، وهذا هو المعتمد ، وما قاله ابن معين إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه فموجه ، وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقا أو اعتنى به فسمع وهو صغير فلا ، وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا ، وفيه دليل على أن مراد ابن معين الأول ، وأما احتجاجه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد البراء وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود بأن القتال يقصد فيه مزيد القوة والتبصر في الحرب ، فكانت مظنته سن البلوغ ، والسماع يقصد فيه الفهم فكانت مظنته التمييز . وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث : مروهم بالصلاة لسبع .

قوله : ( حدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس ، وقد ثبت ذلك في رواية كريمة .

قوله : ( على حمار ) هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير . وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح . وأتان بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هي الأنثى من الحمير ، وربما قالوا للأنثى أتانة حكاه يونس وأنكره غيره ، فجاء في الرواية على اللغة الفصحى . وحمار أتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل ، وروي بالإضافة . وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف ، وهو قياس صحيح من حيث النظر ، إلا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثله كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى .

قوله : ( ناهزت ) أي قاربت ، والمراد بالاحتلام البلوغ الشرعي .

قوله : ( إلى غير جدار ) أي : إلى غير سترة قاله الشافعي . وسياق الكلام يدل على ذلك ; لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته . ويؤيده رواية البزار بلفظ : " والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره " .

قوله : ( بين يدي بعض الصف ) هو مجاز عن الأمام بفتح الهمزة ; لأن الصف ليس له يد . وبعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف قاله الكرماني .

قوله : ( ترتع ) بمثناتين مفتوحتين وضم العين أي : تأكل ما تشاء ، وقيل تسرع في المشي ، وجاء أيضا بكسر العين بوزن يفتعل من الرعي ، وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفا ، والأول أصوب ، ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها فرتعت .

قوله : ( ودخلت ) وللكشميهني : " فدخلت " بالفاء .

قوله : ( فلم ينكر ذلك علي أحد ) قيل فيه جواز تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة ; لأن المرور مفسدة خفيفة ، والدخول في الصلاة مصلحة راجحة ، واستدل ابن عباس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك ، ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الإنكار مطلقا فتناول ما بعد الصلاة . وأيضا فكان الإنكار يمكن بالإشارة . وفيه ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وإنما يشترط عند الأداء . ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكافر . وقامت حكاية ابن عباس لفعل النبي [ ص: 207 ] - صلى الله عليه وسلم - وتقريره مقام حكاية قوله ، إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء . فإن قيل : التقييد بالصبي والصغير في الترجمة لا يطابق حديث ابن عباس ، أجاب الكرماني بأن المراد بالصغير غير البالغ ، وذكر الصبي معه من باب التوضيح . ويحتمل أن يكون لفظ الصغير يتعلق بقصة محمود ، ولفظ الصبي يتعلق بهما معا والله أعلم . وسيأتي باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية