صفحة جزء
827 حدثنا عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله : ( عن حنظلة ) هو ابن أبي سفيان الجمحي ، وسالم بن عبد الله أي ابن عمر .

قوله : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد ) لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله " بالليل " كذلك أخرجه مسلم وغيره ، وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضا ، فأورده المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم من الزهري بغير تقييد ، وكذا أخرجه المصنف في النكاح عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد ، ووقع عند أبي عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكن قال في آخره " يعني بالليل " وبين ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل " يعني " ، وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة قال " قال نافع بالليل " ، وله عن يحيى بن حكيم عن ابن عيينة قال " جاءنا رجل فحدثنا عن نافع قال : إنما هو بالليل " وسمى عبد الرزاق عن ابن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن الزهري " قال ابن عيينة وحدثنا عبد الغفار - يعني ابن القاسم - أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر بمثل هذا عن ابن عمر ، قال فقال له نافع مولى ابن عمر : إنما ذلك بالليل " وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر ، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن ، قال النووي : استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف ، لكن يتقوى بأن يقال : إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر ، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع ، وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب ؛ لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان ، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد .

[ ص: 405 ] قوله : ( تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر ) ذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر بهذا الحديث ، ولم أقف على ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع ، وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن سالم ، وقد وصلها أحمد قال " حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة " فذكر الحديث بزيادة سيأتي ذكرها قريبا . نعم أخرج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها ، ووافقه مسلم على إخراجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه " فقال له ابن له يقال له واقد : إذا يتخذنه دغلا ، قال : فضرب في صدره وقال : أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول لا " ولم أر لهذه القصة ذكرا في شيء من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث ، وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك ، ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من شراحه ، وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر ، فقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر وسمى الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ " لا تمنعوا النساء حظوظهن المساجد إذا استأذنكم ، فقال بلال : والله لنمنعهن " الحديث . وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه " فقلت أما أنا فسأمنع أهلي ، فمن شاء فليسرح أهله " وفي رواية يونس عن ابن شهاب الزهري عن سالم في هذا الحديث " قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن " ومثله في رواية عقيل عند أحمد ، وعنده في رواية شعبة عن الأعمش المذكورة " فقال سالم أو بعض بنيه : والله لا ندعهن يتخذنه دغلا " الحديث .

والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ، ولم يختلف عليهما في ذلك . وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها ، ولم أره مع ذلك في شيء من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد ، فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم ، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين ، وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به ، ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر ، ففي رواية بلال عند مسلم " فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط " وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات ، وفي رواية زائدة عن الأعمش " فانتهره وقال : أف لك " وله عن ابن نمير عن الأعمش " فعل الله بك وفعل " ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس ، ولمسلم من رواية أبي معاوية " فزبره " ولأبي داود من رواية جرير " فسبه وغضب " فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن ، وأن يكون واقد بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره ، وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة ، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله " يتخذنه دغلا " وهو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره ، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة ، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث ، وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان [ ص: 406 ] يظهر أن لا ينكر عليه ، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير . وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه ، وعلى العالم بهواه ، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له ، وجواز التأديب بالهجران ، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد " فما كلمه عبد الله حتى مات " وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير .

التالي السابق


الخدمات العلمية