صفحة جزء
باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء

837 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل
قوله : ( باب فضل الغسل يوم الجمعة ) قال الزين بن المنير : لم يذكر الحكم لما وقع فيه من الخلاف ، واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته .

قوله : ( وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء ) اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال : ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة ؟ وأورد إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره ، وأجاب ابن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم ، أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال " على كل محتلم " فدل على أنها غير واجبة على الصبيان ، قال : وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا [ ص: 416 ] بالاحتلام ، وتعقب بأن الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام ، وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم . وقال الزين بن المنير : إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار ، فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله ، واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله : أحدكم " لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه ، وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في " أحدكم " بطريق التبع ، وكذا احتمال عموم النهي في منعهن المساجد ، لكن تقيده بالليل يخرج الجمعة اهـ . ولعل البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع ، وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجاله ثقات ، لكن قال أبو داود : لم يسمع طارق من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه رآه اهـ . وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى الأشعري ، قال الزين بن المنير : ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال إن حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة ، وإن حضرها لأمر اتفاقي فلا . ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث .

حديث نافع عن ابن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " وقد رواه ابن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره ، أخرجه البيهقي ، والفاء للتعقيب ، وظاهره أن الغسل يعقب المجيء ، وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم ، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى : إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف . ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل ، وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة ، لأن الحديث واحد ومخرجه واحد ، وقد بين الليث في روايته المراد ، وقواه حديث أبي هريرة ، ورواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهورة جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع ، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا ، فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث ، ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ كان الناس يغدون في أعمالهم ، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة ، فشكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ، ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن ابن عمر " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول " أخرجه يعقوب الجصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم ، وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله " جاء " فعنده " راح " وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع ، ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن [ ص: 417 ] جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ " كان إذا خطب يوم الجمعة قال " الحديث . ومنها زيادة في المتن ، ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ، ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات ، لكن قال البزار : أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه .

ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا ، أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة واجبة على كل محتلم ، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال الطبراني في الأوسط : لم يروه عن نافع بزيادة حفصة إلا بكير ، ولا عنه إلا عياش تفرد به مفضل . قلت : رواته ثقات ، فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن غيره من الصحابة ، فسيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما مع اختلاف المتون ، قال ابن دقيق العيد : في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة ، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا : يجزئ من بعد الفجر ، ويشهد لهم حديث ابن عباس الآتي قريبا .

وقال الأثرم : سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء ؟ فقال : نعم . ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى ، يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه وله صحبة " أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل " ومقتضى النظر أن يقال : إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة ، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ، ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم .

قال ابن دقيق العيد : ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم ، يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث ، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب ، قال : وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة ، وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به . والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ . قلت : وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به . وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع ، والرد يفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته ، ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة ، وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة ، فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس ، والله أعلم . واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة ، وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع ، وهذا هو الأصح عند الشافعية ، وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية ، وقوله فيه " الجمعة " [ ص: 418 ] المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه ، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به ، واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث ، وهذا بخلاف صيغة افعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب .

التالي السابق


الخدمات العلمية