صفحة جزء
باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة

914 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الأضحى والفطر ثم يخطب بعد الصلاة
[ ص: 523 ] قوله : ( باب المشي والركوب إلى العيد ، والصلاة قبل الخطبة ، وبغير أذان ولا إقامة ) في هذه الترجمة ثلاثة أحكام : صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها . فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال : ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب . وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر ، ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ، ففي الترمذي عن علي قال : " من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا " . وفي ابن ماجه عن سعد القرظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه ، وأسانيد الثلاثة ضعاف . وقال الشافعي في الأم : بلغنا عن الزهري قال : ما ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيد ولا جنازة قط . ويحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر وهو يتوكأ على يد بلال مشروعية الركوب لمن احتاج إليه ، وكأنه يقول : الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب ، كما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال . والجامع بين [ ص: 524 ] الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما ، أشار إلى ذلك ابن المرابط ، وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب ، وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده . واختلف في أول من غير ذلك ، فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله ، وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان ، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال " أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلى بالناس ثم خطبهم - يعني على العادة - فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ، ففعل ذلك " أي صار يخطب قبل الصلاة . وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان . لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس ، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا ، بخلاف مروان فواظب عليه ، فلذلك نسب إليه . وقد روي عن عمر مثل فعل عثمان ، قال عياض ومن تبعه : لا يصح عنه ، وفيما قالوه نظر ، لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، وهذا إسناد صحيح ، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده ، وكذا حديث ابن عمر ، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح ، وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد " حتى قدم معاوية فقدم الخطبة " فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته ، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال " أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية " وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة . قال عياض : ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان ، لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله ، والله أعلم . وأما الحكم الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث ابن عباس في ترك الأذان ، وكذا أحد طريقي جابر . وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده .

والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرها ، أما حديث ابن عمر ففي رواية النسائي خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة الحديث . وأما حديث ابن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وعنده من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال : لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء " وفي رواية يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال لابن الزبير " لا تؤذن لها ولا تقم " أخرجه ابن أبي شيبة عنه ، ولأبي داود من طريق طاوس عن ابن عباس " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بلا أذان ولا إقامة " إسناده صحيح ، وفي الحديث عن جابر بن سمرة عند مسلم وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند الطبراني في الأوسط ، وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول : لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم " وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا . وعرف بهذا توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة ، واستدل بقول جابر " ولا إقامة ولا شيء " على أنه لا يقال أمام صلاتها شيء من الكلام ، لكن روى الشافعي عن الثقة [ ص: 525 ] عن الزهري قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن في العيدين أن يقول : الصلاة جامعة " وهذا مرسل يعضده القياس >[1] على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي ، قال الشافعي : أحب أن يقول : الصلاة ، أو الصلاة جامعة ، فإن قال : هلموا إلى الصلاة لم أكرهه ، فإن قال : حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك .

واختلف في أول من أحدث الأذان فيها أيضا فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية ، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد : فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة . وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال : أول من أحدثه زياد بالبصرة . وقال الداودي : أول من أحدثه مروان . وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة . وقال ابن حبيب : أول من أحدثه هشام . وروى ابن المنذر عن أبي قلابة قال : أول من أحدثه عبد الله بن الزبير . وقد وقع في حديث الباب أن ابن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها ، لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن - يعني ابن الزبير - وأقام . وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن ، وهشام المذكور في الإسناد الثاني هو ابن يوسف الصنعاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية