صفحة جزء
باب اعتزال الحيض المصلى

938 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن محمد قال قالت أم عطية أمرنا أن نخرج فنخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور قال ابن عون أو العواتق ذوات الخدور فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاهم
[ ص: 545 ] قوله : ( باب اعتزال الحيض المصلى ) مضمون هذه الترجمة بعض ما تضمنه الحديث الذي في الباب الماضي ، وكأنه أعاد هذا الحكم للاهتمام به ، وقد تقدم مضموما إلى الباب المذكور في كتاب الحيض .

قوله : ( عن ابن عون ) هو عبد الله ، ومحمد هو ابن سيرين ، وقد شك ابن عون في العواتق كما شك أيوب في الذي قبله ، ووقع في رواية منصور بن زاذان عن ابن سيرين عند الترمذي " تخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور " . وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة ، إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة . وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه . وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة ، ومشروعية عارية الثياب . واستدل به على وجوب صلاة العيد ، وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف ، فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة ، والله أعلم .

وفيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيئات أم لا ، وقد اختلف فيه السلف ، ونقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلي وابن عمر ، والذي وقع لنا عن أبي بكر وعلي ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنهما فالأحق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين ، وقد ورد هذا مرفوعا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن المنذر من طريق امرأة من عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة به والمرأة لم تسم ، والأخت اسمها عمرة صحابية . وقوله : حق " يحتمل الوجوب ويحتمل تأكد الاستحباب ، روى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله ، وهذا ليس صريحا في الوجوب أيضا ، بل قد روي عن ابن عمر المنع فيحتمل أن يحمل على حالين ، ومنهم من حمله على الندب وجزم بذلك الجرجاني من الشافعية وابن حامد من الحنابلة ، ولكن نص الشافعي في الأم يقتضي استثناء ذوات الهيئات قال : وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة ، وإنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا . وقد سقطت واو العطف من رواية المزني في المختصر فصارت غير ذوات الهيئة صفة للعجائز فمشى على ذلك صاحب النهاية ومن تبعه وفيه ما فيه ، بل قد روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال قال الشافعي : قد روي حديث فيه أن النساء يتركن إلى العيدين ، فإن كان ثابتا قلت به ، قال البيهقي : قد ثبت وأخرجه الشيخان - يعني حديث أم عطية هذا - فيلزم الشافعية القول به ، ونقله ابن الرفعة عن البندنيجي وقال : إنه ظاهر كلام التنبيه ، وقد ادعى بعضهم النسخ فيه ، قال الطحاوي : وأمره - عليه السلام - بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو ، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك .

وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، قال الكرماني : تاريخ الوقت لا يعرف قلت : بل هو معروف بدلالة حديث ابن عباس أنه شهده وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي ، وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته ، وقد أفتت به أم عطية بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك ، وأما قول عائشة " لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد " فلا يعارض ذلك لندوره إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه ، مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة ، وفي قوله : إرهابا للعدو . نظر لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن [ ص: 546 ] في الحرب دال على الضعف ، والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع ، وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في الباب المشار إليه من كتاب الحيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية