صفحة جزء
باب طول السجود في الكسوف

1003 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو أنه قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي إن الصلاة جامعة فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلس ثم جلي عن الشمس قال وقالت عائشة رضي الله عنها ما سجدت سجودا قط كان أطول منها
قوله : ( باب طول السجود في الكسوف )

أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من أنكره ، واستدل بعض المالكية على ترك إطالته بأن الذي شرع فيه التطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع تطويله ، وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار ، وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء بخلاف الساجد فإن الآية علوية فناسب طول القيام لها بخلاف السجود ، ولأن في تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضي إلى النوم . وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويله . ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه ، وقد تقدم من وجه آخر مختصرا ، ووقع في رواية الكشميهني عبد الله بن عمر بضم أوله وفتح الميم بلا واو وهو وهم .

قوله : ( ركعتين في سجدة ) المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها ، وبالركعتين الركوعان ، وهو موافق لروايتي عائشة وابن عباس المتقدمتين في أن في كل ركعة ركوعين وسجودين ، ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر إليه أحد . فتعين تأويله .

قوله : ( ثم جلس ثم جلي عن الشمس ) أي بين جلوسه في التشهد والسلام ، فتبين قوله في حديث عائشة " ثم انصرف وقد تجلت الشمس " .

قوله : ( قال وقالت عائشة ) القائل هو ابن سلمة في نقدي ، ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمرو فيكون من رواية صحابي عن صحابية ، ووهم من زعم أنه معلق فقد أخرجه مسلم وابن خزيمة وغيرهما من رواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وفيه قول عائشة هذا .

قوله : ( ما سجدت سجودا قط كان أطول منها ) كذا فيه ، وفي رواية غيره " منه " أي من السجود المذكور ، زاد مسلم فيه " ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه " ، وتقدم في رواية عروة عن عائشة [ ص: 627 ] بلفظ " ثم سجد فأطال السجود " وفي أوائل صفة الصلاة من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله ، وللنسائي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ " ثم رفع رأسه فسجد وأطال السجود " ونحوه عنده عن أبي هريرة ، وللشيخين من حديث أبي موسى " بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط " ولأبي داود والنسائي من حديث سمرة " كأطول ما سجد بنا في صلاة قط " وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع ، وأبدى بعض المالكية فيه بحثا فقال : لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الإطالة في الركوع ، وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ " وسجوده نحو من ركوعه " وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي ، وتعقبه صاحب " المهذب " بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي اهـ . ورد عليه في الأمرين معا فإن الشافعي نص عليه في البويطي ولفظه ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما قام في ركوعه .

( تنبيه ) : وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه " ثم ركع فأطال ، ثم سجد " وقال النووي : هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع ، وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما ، من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ، ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد ، ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ، ثم سجد لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه ، والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح ، ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا ، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته ، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام ، وإلا فهو محجوج بهذه الرواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية