صفحة جزء
باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي وقال الحسن إن شاء المريض صلى ركعتين قائما وركعتين قاعدا

1067 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع
[ ص: 686 ] قوله : ( باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي ) في رواية الكشميهني " أتم ما بقي " أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه ، وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال : من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن القيام ثم أطاق القيام وجب عليه الاستئناف ، وهو محكي عن محمد بن الحسن ، وخفي ذلك على ابن المنير حتى قال : أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من صلى قاعدا ثم استطاع القيام .

قوله : ( وقال الحسن إن شاء المريض ) أي في الفريضة ( صلى ركعتين قائما ) وهذا الأثر وصله ابن شيبة بمعناه ، ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر ، وتعقبه ابن التين بأنه لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه ، إلا إن كان يريد بقوله " إن شاء " أي بكلفة كثيرة اهـ . ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها قائما إن شاء بأن يبني على ما صلى ، وإن شاء استأنفها ، فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور . ثم أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قاعدا ، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع . وزاد في الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية ، وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن ، وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى إذا كبر ، وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا ، وفي حديث حفصة ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في سبحته جالسا حتى إذا كان قبل موته بعام [ ص: 687 ] وكان يصلي في سبحته جالسا الحديث أخرجهما مسلم ، قال ابن التين : قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة ، وبقولها " حتى أسن " لنعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة ، وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك . وقال ابن بطال : هذه الترجمة تتعلق بالفريضة ، وحديث عائشة يتعلق بالنافلة . ووجه استنباطه أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى اهـ . والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة ، بل قوله : ثم صح " يتعلق بالفريضة . وقوله " أو وجد خفة " يتعلق بالنافلة ، وهذا الشق مطابق للحديث ، ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه ، والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما ، ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم ، إذ لا فرق بين الحالتين ، ولا سيما مع وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك ، واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية