صفحة جزء
باب فضل قيام الليل

1070 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا هشام قال أخبرنا معمر ح وحدثني محمود قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما شابا وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار قال فلقينا ملك آخر فقال لي لم ترع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا
[ ص: 9 ] قوله : ( باب فضل قيام الليل ) أورد فيه حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في رؤياه ، وفيه فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا ، وظاهره أن قوله " فكان بعد لا ينام . . إلخ " من كلام سالم ، لكن وقع في التعبير من رواية البخاري ، عن عبد الله بن محمد شيخه هنا بإسناده هذا " قال الزهري : فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل " ، ومقتضاه أن في السياق الأول إدراجا ، لكن أورده في المناقب من روايةعبد الرزاق وفي آخره " قال سالم : وكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا " فظهر أن لا إدراج فيه ، وأيضا فكلام سالم في ذلك مغاير لكلام الزهري فانتفى الإدراج عنه أصلا ورأسا ، وشاهد الترجمة قوله : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ، فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل ، وفي رواية نافع ، عن ابن عمر في التعبير أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل وهو أبين في المقصود ، وكأن المصنف لم يصح عنده حديث صريح في هذا الباب فاكتفى بحديث ابن عمر ، وقد أخرج فيه مسلم حديث أبي هريرة أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ، وكأن البخاري توقف فيه للاختلاف في وصله وإرساله ، وفي رفعه ووقفه .

قوله : ( حدثنا عبد الله بن محمد ) هو الجعفي ، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني ، ومحمود هو ابن غيلان .

قوله : ( كان الرجل ) اللام للجنس ، ولا مفهوم له ، وإنما ذكر للغالب .

قوله : ( فتمنيت أن أرى ) في رواية الكشميهني : " أني أرى " . وزاد في التعبير من وجه آخر : " فقلت في نفسي : لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء " . ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها .

قوله : ( كأن ملكين ) لم أقف على تسميتهما .

قوله : ( فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية ) في رواية أيوب ، عن نافع ، الآتية قريبا : " كأن اثنين أتياني [ ص: 10 ] ، أرادا أن يذهبا بي إلى النار ، فتلقاهما ملك ، فقال : لن تراع ، خليا عنه " وظاهر هذا أنهما لم يذهبا به ، ويجمع بينهما بحمل الثاني على إدخاله ، فالتقدير أن يذهبا بي إلى النار فيدخلاني فيها ، فلما نظرتها فإذا هي مطوية ، ورأيت من فيها واستعذت ، فلقينا ملك آخر .

قوله : ( فإذا هي مطوية ) أي مبنية ، والبئر قبل أن تبنى تسمى قليبا .

قوله : ( وإذا لها قرنان ) هكذا للجمهور ، وحكى الكرماني أن في نسخة " قرنين " ، فأعربها بالجر أو بالنصب على أن فيه شيئا مضافا حذف ، وترك المضاف إليه على ما كان عليه ، وتقديره : فإذا لها مثل قرنين ، وهو كقراءة من قرأ : ( تريدون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ) بالجر ، أي يريد عرض الآخرة ، أو ضمن إذا المفاجأة معنى الوجدان ؛ أي فإذا بي وجدت لها قرنين . انتهى . والمراد بالقرنين هنا خشبتان أو بناءان تمد عليهما الخشبة العارضة التي تعلق فيها الحديدة التي فيها البكرة ، فإن كان من بناء فهما القرنان ، وإن كان من خشب فهما الزرنوقان بزاي منقوطة قبل المهملة ، ثم نون ثم قاف ، وقد يطلق على الخشبة أيضا القرنان . وسيأتي مزيد لذلك في شرح حديث أبي أيوب في غسل المحرم في " باب الاغتسال للمحرم " من كتاب الحج .

قوله : ( وإذا فيها أناس قد عرفتهم ) لم أقف على تسمية أحد منهم .

قوله : ( لم ترع ) بضم أوله وفتح الراء بعدها مهملة ساكنة ؛ أي لم تخف ، والمعنى لا خوف عليك بعد هذا ، وفي رواية الكشميهني في التعبير " لن تراع " وهي رواية الجمهور بإثبات الألف ، ووقع في رواية القابسي : " لن ترع " بحذف الألف . قال ابن التين : وهي لغة قليلة - أي الجزم بلن - حتى قال القزاز : لا أعلم له شاهدا . وتعقب بقول الشاعر :

لن يخب الآن من رجائك من حرك من دون بابك الحلقه

وبقول الآخر :

ولن يحل للعينين بعدك منظر

. وزاد فيه " إنك رجل صالح " ، وسيأتي بعد بضعة عشر بابا بزيادة فيه ونقصان . قال القرطبي : إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح ؛ لأنه عرض على النار ، ثم عوفي منها ، وقيل له : لا روع عليك وذلك لصلاحه ، غير أنه لم يكن يقوم من الليل فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل بما يتقي به النار والدنو منها ، فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك . وأشار المهلب إلى أن السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد ، ومن حق المسجد أن يتعبد فيه ، فنبه على ذلك بالتخويف بالنار .

قوله : ( لو كان ) ؛ لو للتمني لا للشرط ، ولذلك لم يذكر الجواب ، وفي هذا الحديث أن قيام الليل يدفع العذاب ، وفيه تمني الخير والعلم ، وسيأتي باقي الكلام عليه مستوفى في كتاب التعبير ، إن شاء الله تعالى .

( تنبيه ) : سياق هذا المتن على لفظ محمود ، وأما سياق عبد الله بن محمد فسيأتي في التعبير ، وأغفل المزي في الأطراف طريق محمود هذه ، وهي واردة عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية