صفحة جزء
107 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن جامع بن شداد عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قلت للزبير إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان قال أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار
[ ص: 242 ] قوله : ( حدثنا أبو الوليد ) هو الطيالسي و ( جامع بن شداد ) كوفي تابعي صغير . وفي الإسناد لطيفتان إحداهما أنه من رواية تابعي عن تابعي يرويه صحابي عن صحابي . ثانيهما أنه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف .

قوله : ( قلت للزبير ) أي : ابن العوام .

قوله : ( تحدث ) حذف مفعولها ليشمل قوله : ( كما يحدث فلان وفلان ) سمي منهما في رواية ابن ماجه عبد الله بن مسعود .

قوله : ( أما ) بالميم المخففة وهي من حروف التنبيه و ( إني ) بكسر الهمزة ( لم أفارقه ) أي لم أفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد الإسماعيلي : " منذ أسلمت " والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير إلى الحبشة ، وكذا لم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال هجرته إلى المدينة . وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال ; لأن لازم الملازمة السماع ، ولازمه عادة التحديث ، لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ، ولهذا أتى بقوله : " لكن " وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال : " عناني ذلك " يعني قلة رواية الزبير : " فسألته " أي : عن ذلك " فقال : يا بني ، كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت ، وعمته أمي ، وزوجته خديجة عمتي ، وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني عبد مناف بن زهرة ، وعندي أمك ، وأختها عائشة عنده ، ولكني سمعته يقول " .

قوله : ( من كذب علي ) كذا رواه البخاري ليس فيه " متعمدا " وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة ، وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة ، وأخرجه ابن ماجه من طريقه وزاد فيه " متعمدا " وكذا للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة ، والاختلاف فيه على شعبة . وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ : " من حدث عني كذبا " ولم يذكر العمد . وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر ; لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله ، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع ، فمن خشي من إكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار ، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث . وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من [ ص: 243 ] أنفسهم بالتثبت ، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان . رضي الله عنهم .

قوله : ( فليتبوأ ) أي فليتخذ لنفسه منزلا ، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا ، وهو أمر بمعنى الخبر أيضا ، أو بمعنى التهديد ، أو بمعنى التهكم ، أو دعاء على فاعل ذلك أي : بوأه الله ذلك . وقال الكرماني : يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته ، والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا ، قال : وأولها أولاها ، فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ " بني له بيت في النار " قال الطيبي : فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه ، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية