صفحة جزء
باب فضل الطهور بالليل والنهار وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار

1098 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي قال أبو عبد الله دف نعليك يعني تحريك
قوله : ( باب فضل الطهور بالليل والنهار ، وفضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار ) كذا ثبت في رواية الكشميهني ، ولغيره : " بعد الوضوء " . واقتصر بعضهم على الشق الثاني من الترجمة ، وعليه اقتصر الإسماعيلي وأكثر الشراح ، والشق الأول ليس بظاهر في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سنذكره من حديث بريدة .

قوله : ( عن أبي حيان ) هو يحيى بن سعيد التيمي وصرح به في رواية مسلم من هذا الوجه . وأبو زرعة هو ابن عمرو بن عبد الله البجلي .

قوله : ( قال لبلال ) ؛ أي ابن رباح المؤذن ، وقوله : " عند صلاة الفجر " ؛ فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام ؛ لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه كما سيأتي في كتاب التعبير بعد صلاة الفجر .

قوله : ( بأرجى عمل ) بلفظ أفعل التفضيل المبني من المفعول ، وإضافة العمل إلى الرجاء ؛ لأنه السبب الداعي إليه .

قوله : ( في الإسلام ) زاد مسلم في روايته : " منفعة عندك " .

قوله : ( أني ) بفتح الهمزة ، ومن مقدرة قبلها صلة لأفعل التفضيل ، وثبتت في رواية مسلم ، ووقع في رواية الكشميهني " أن " بنون خفيفة بدل : " أني " .

قوله : ( فإني سمعت ) زاد مسلم : " الليلة " ، وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام .

قوله : ( دف نعليك ) بفتح المهملة ، وضبطها المحب الطبري بالإعجام والفاء مثقلة ، وقد فسره [ ص: 42 ] المصنف في رواية كريمة بالتحريك ، وقال الخليل : دف الطائر إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه ، وقال الحميدي : الدف الحركة الخفيفة والسير اللين . ووقع في رواية مسلم " خشف " بفتح الخاء ، وسكون الشين المعجمتين ، وتخفيف الفاء ، قال أبو عبيد وغيره : الخشف الحركة الخفيفة . ويؤيده ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر : " سمعت خشفة " . ووقع في حديث بريدة عند أحمد والترمذي وغيرهما " خشخشة " بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركة أيضا .

قوله : ( طهورا ) زاد مسلم تاما ، والذي يظهر أنه لا مفهوم لها ، ويحتمل أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي ، فقد يفعل ذلك لطرد النوم مثلا .

قوله : ( في ساعة ليل أو نهار ) بتنوين ساعة وخفض ليل على البدل ، وفي رواية مسلم : " في ساعة من ليل أو نهار " .

قوله : ( إلا صليت ) زاد الإسماعيلي : " لربي " .

قوله : ( ما كتب لي ) أي قدر ، وهو أعم من الفريضة والنافلة . قال ابن التين : إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال ، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر ، وبهذا التقرير يندفع إيراد من أورد عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحة . والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن إرجائها : الأعمال المتطوع بها ، وإلا فالمفروضة أفضل قطعا . ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة ، لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط ، فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن الجوزي : فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده . وقال المهلب : فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله . وفيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحة ليقتدي بها غيرهم في ذلك . وفيه أيضا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه ليحضه عليه ، ويرغبه فيه إن كان حسنا ، وإلا فينهاه . واستدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله : " في كل ساعة " . وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي . وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية ، فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة ، أو أنه كان يؤخر الطهور إلى آخر وقت الكراهة لتقع صلاته في غير وقت الكراهة . لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بريدة في نحو هذه القصة : ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها . ولأحمد من حديثه : ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين . فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء ، والوضوء بالصلاة في أي وقت كان . وقال الكرماني : ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم ، لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت . ويحتمل أن يكون في اليقظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج . وأما بلال فلا يلزم من هذه القصة أنه دخلها ، لأن قوله : " في الجنة " ظرف للسماع ، ويكون الدف بين يديه خارجا عنها . انتهى . ولا يخفى بعد هذا الاحتمال ، لأن السياق مشعر بإثبات فضيلة بلال ، لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة ، وإنما ثبتت له الفضيلة بأن يكون رئي داخل الجنة لا خارجا عنها . وقد وقع في حديث بريدة المذكور : يا بلال ، بم سبقتني إلى الجنة ؟ . وهذا ظاهر في كونه رآه داخل الجنة . ويؤيد كونه وقع في المنام [ ص: 43 ] ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا : رأيتني دخلت الجنة ، فسمعت خشفة ، فقيل : هذا بلال ، ورأيت قصرا بفنائه جارية ، فقيل : هذا لعمر . الحديث ، وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، فقيل : هذا لعمر . الحديث ، فعرف أن ذلك وقع في المنام ، وثبتت الفضيلة بذلك لبلال ؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي ، ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك . ومشيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته في اليقظة ، فاتفق مثله في المنام ، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه في مقام التابع ، وكأنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته ، واستمراره على قرب منزلته ، وفيه منقبة عظيمة لبلال . وفي الحديث استحباب إدامة الطهارة ، ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة ، لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرا ، ومن بات طاهرا عرجت روحه فسجدت تحت العرش ، كما رواه البيهقي في الشعب ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، والعرش سقف الجنة كما سيأتي في هذا الكتاب . وزاد بريدة في آخر حديثه : " فقال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا " . وظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل ، ولا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل أحدكم الجنة عمله . لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه وبين قوله تعالى : ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله ، واقتسام الدرجات بحسب الأعمال ، فيأتي مثله في هذا . >[1] وفيه أن الجنة موجودة الآن خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة .

( تنبيه ) : قول الكرماني : لا يدخل أحد الجنة إلا بعد موته ، مع قوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج ، وكان المعراج في اليقظة على الصحيح ، ظاهرهما التناقض ، ويمكن حمل النفي إن كان ثابتا على غير الأنبياء ، أو يخص في الدنيا بمن خرج عن عالم الدنيا ، ودخل في عالم الملكوت ، وهو قريب مما أجاب به السهيلي عن استعمال طست الذهب ليلة المعراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية