صفحة جزء
باب إذا صلى خمسا

1168 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قال صليت خمسافسجد سجدتين بعد ما سلم
قوله : ( باب إذا صلى خمسا ) قيل : أراد البخاري التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة ، ففي الأول يسجد قبل السلام ، كما في الترجمة الماضية ، وفي الزيادة يسجد بعده ، وبالتفرقة هكذا ، قال مالك ، والمزني ، وأبو ثور من الشافعية ، وزعم ابن عبد البر أنه أولى من قول غيره للجمع بين الخبرين ، قال : وهو موافق للنظر ، لأنه في النقص جبر ، فينبغي أن يكون من أصل الصلاة ، وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها . وقال ابن دقيق العيد : لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة ، وإذا كانت المناسبة ظاهرة ، وكان الحكم على وفقها كانت علة ، فيعم الحكم جميع محالها ، فلا تخصص إلا بنص ، وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيما للشيطان فقط ممنوع ، بل هو جبر أيضا لما وقع من الخلل ، فإنه وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى ، وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيما للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعيد عند مسلم ، وقال الخطابي : لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح . وأيضا فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام ، وهي عن نقصان ، وأما قول النووي : أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم أحمد ، فقد قال غيره : بل طريق أحمد أقوى ، لأنه قال : يستعمل كل حديث فيما ورد فيه ، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام ، قال : ولولا ما روي [ ص: 114 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام ، لأنه من شأن الصلاة ، فيفعله قبل السلام . وقال إسحاق مثله ، إلا أنه قال : ما لم يرد فيه شيء يفرق فيه بين الزيادة والنقصان ، فحرر مذهبه من قولي أحمد ، ومالك ، وهو أعدل المذاهب فيما يظهر . وأما داود فجرى على ظاهريته ، فقال : لا يشرع سجود السهو إلا في المواضع التي سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقط . وعند الشافعي سجود السهو كله قبل السلام . وعند الحنفية كله بعد السلام ، واعتمد الحنفية على حديث الباب . وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام حين سألوه : هل زيد في الصلاة ؟ وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو ، وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة ، لأنه كان زمان توقع النسخ . وأجاب بعضهم بما وقع في حديث ابن مسعود من الزيادة ، وهي : إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين . وقد تقدم في أبواب القبلة ، وأجيب بأنه معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم ، ولفظه : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ، فليطرح الشك ، وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم . وبه تمسك الشافعية . وجمع بعضهم بينهما بحمل الصورتين على حالتين . ورجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده . ونقل الماوردي وغيره الإجماع على الجواز ، وإنما الخلاف في الأفضل . وكذا أطلق النووي . وتعقب بأن إمام الحرمين نقل في " النهاية " الخلاف في الإجزاء عن المذهب ، واستبعد القول بالجواز ، وكذا نقل القرطبي الخلاف في مذهبهم ، وهو مخالف لما قاله ابن عبد البر : إنه لا خلاف عن مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شيء عليه . فيجمع بأن الخلاف بين أصحابه ، والخلاف عند الحنفية قال القدوري : لو سجد للسهو قبل السلام ، روي عن بعض أصحابنا : لا يجوز لأنه أداء قبل وقته ، وصرح صاحب الهداية بأن الخلاف عندهم في الأولوية . وقال ابن قدامة في " المقنع " من ترك سجود السهو الذي قبل السلام بطلت صلاته إن تعمد ، وإلا فيتداركه ما لم يطل الفصل . ويمكن أن يقال : الإجماع الذي نقله الماوردي وغيره قبل هذه الآراء في المذاهب المذكورة . وقال ابن خزيمة : لا حجة للعراقيين في حديث ابن مسعود لأنهم خالفوه ، فقالوا : إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسة ، ثم سلم وسجد للسهو ، وإن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته . ولم ينقل في حديث ابن مسعود إضافة سادسة ولا إعادة ، ولا بد من أحدهما عندهم . قال : ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها .

قوله : ( عن الحكم ) هو ابن عتيبة الفقيه الكوفي .

قوله : ( عن إبراهيم ) ؛ هو ابن يزيد النخعي .

قوله : ( صلى الظهر خمسا ) كذا جزم به الحكم ، وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية منصور ، عن إبراهيم أتم من هذا السياق ، وفيه قال إبراهيم : لا أدري : زاد أو نقص .

قوله : ( فقيل له أزيد في الصلاة ؟ فقال : وما ذاك ؟ ) . أخرجه مسلم ، وأبو داود من طريق إبراهيم بن سويد النخعي ، عن ابن مسعود بلفظ : فلما انفتل توشوش القوم بينهم ، فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، هل زيد في الصلاة ؟ قال : لا . فتبين أن سؤالهم لذلك كان بعد استفساره لهم عن مساررتهم ، وهو دال [ ص: 115 ] على عظيم أدبهم معه صلى الله عليه وسلم ، وقولهم : هل زيد في الصلاة . يفسر الرواية الماضية في أبواب القبلة بلفظ : " هل حدث في الصلاة شيء " .

( تنبيه ) : روى الأعمش ، عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا ، ولفظه : إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام . أخرجه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن خزيمة وغيرهم ، قال ابن خزيمة : إن كان المراد بالكلام قوله : " وما ذاك " في جواب قولهم : " أزيد في الصلاة ؟ " فهذا نظير ما وقع في قصة ذي اليدين ، وسيأتي البحث فيه فيها ، وإن كان المراد به قوله : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون . فقد اختلف الرواة في الموضع الذي قالها فيه ، ففي رواية منصور أن ذلك كان بعد سلامه من سجدتي السهو ، وفي رواية غيره أن ذلك كان قبل ، ورواية منصور أرجح . والله أعلم .

قوله : ( فسجد سجدتين بعدما سلم ) يأتي في خبر الواحد من طريق شعبة أيضا بلفظ : فثنى رجليه وسجد سجدتين . وتقدم في رواية منصور : " واستقبل القبلة " . وفيه الزيادة المشار إليها ، وهي : إذا شك أحدكم في صلاة فليتحر الصواب ، فليتم عليه . ولمسلم من طريق مسعر ، عن منصور : " فأيكم شك في صلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب " . وله من طريق شعبة ، عن منصور : " فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب " . وله من طريق فضيل بن عياض ، عن منصور : فليتحر الذي يرى أنه الصواب . زاد ابن حبان من طريق مسعر : " فليتم عليه " . واختلف في المراد بالتحري ، فقال الشافعية : هو البناء على اليقين لا على الأغلب ، لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين . وقال ابن حزم : التحري في حديث ابن مسعود يفسره حديث أبي سعيد ، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ : وإذا لم يدر أصلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك ، وليبن على ما استيقن . وروى سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم " . انتهى . وفي كلام الشافعي نحوه ، ولفظه : قوله " فليتحر " ؛ أي في الذي يظن أنه نقصه فليتمه ، فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ، ويبني على ما استيقن ، وهو كلام عربي مطابق لحديث أبي سعيد ، إلا أن الألفاظ تختلف . وقيل : التحري الأخذ بغالب الظن ، وهو ظاهر الروايات التي عند مسلم . وقال ابن حبان في صحيحه : البناء غير التحري ، فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلا ، فعليه أن يلغي الشك ، والتحري أن يشك في صلاته فلا يدري ما صلى ، فعليه أن يبني على الأغلب عنده . وقال غيره : التحري لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى ، فيبني على غلبة ظنه ، وبه قال مالك وأحمد ، وعن أحمد في المشهور : التحري يتعلق بالإمام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه ، وأما المنفرد فيبني على اليقين دائما . وعن أحمد رواية أخرى كالشافعية ، وأخرى كالحنفية . وقال أبو حنيفة : إن طرأ الشك أولا استأنف ، وإن كثر بنى على غالب ظنه ، وإلا فعلى اليقين . ونقل النووي أن الجمهور مع الشافعي ، وأن التحري هو القصد ، قال الله تعالى : ( فأولئك تحروا رشدا ) ، وحكى الأثرم ، عن أحمد في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : لا غرار في صلاة . قال : أن لا يخرج منها إلا على يقين ، فهذا يقوي قول الشافعي . وأبعد من زعم أن لفظ التحري في الخبر مدرج من كلام ابن مسعود أو ممن دونه لتفرد منصور بذلك عن إبراهيم دون رفقته ، لأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال ، واستدل به على أن من صلى خمسا ساهيا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافا للكوفيين ، وقولهم [ ص: 116 ] يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل ، بل السياق يرشد إلى خلافه ، وعلى أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها خلافا لبعض المالكية إذا كثرت ، وقيد بعضهم الزيادة بما يزيد على نصف الصلاة ، وعلى أن من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام يسجد للسهو ، فإن طال الفصل ، فالأصح عند الشافعية أنه يفوت محله ، واحتج له بعضهم من هذا الحديث بتعقيب إعلامهم لذلك بالفاء ، وتعقيبه السجود أيضا بالفاء ، وفيه نظر لا يخفى . وعلى أن الكلام العمد فيما يصلح به الصلاة لا يفسدها ، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده ، وأن من تحول عن القبلة ساهيا لا إعادة عليه ، وفيه إقبال الإمام على الجماعة بعد الصلاة . واستدل البيهقي على أن عزوب النية بعد الإحرام بالصلاة لا يبطلها . وقد تقدمت بقية مباحثه في أبواب القبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية