صفحة جزء
1225 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر قال فرأيت عينيه تدمعان قال فقال هل منكم رجل لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا قال فانزل قال فنزل في قبرها
قوله ( حدثنا عبد الله بن محمد ) هو المسندي ، وأبو عامر هو العقدي .

قوله : ( عن هلال ) في رواية محمد بن سنان الآتية بعد أبواب : " حدثنا هلال " .

قوله : ( شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم ) هي أم كلثوم زوج عثمان ، رواه الواقدي ، عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم ، وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة ، [ ص: 189 ] وكذلك رواه الطبري ، والطحاوي من هذا الوجه ، ورواه حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، فسماها رقية . أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط ، والحاكم في المستدرك ، قال البخاري : ما أدري ما هذا ، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها . قلت : وهم حماد في تسميتها فقط ، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن ، قالت : نزل في حفرتها أبو طلحة . وأغرب الخطابي فقال : هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنسبت إليه . انتهى ملخصا . وكأنه ظن أن الميتة في حديث أنس هي المحتضرة في حديث أسامة ، وليس كذلك كما بينته .

قوله : ( لم يقارف ) بقاف وفاء ، زاد ابن المبارك ، عن فليح : " أراه يعني الذنب " . ذكره المصنف في " باب من يدخل قبر المرأة " تعليقا ، ووصله الإسماعيلي ، وكذا سريج بن النعمان ، عن فليح أخرجه أحمد عنه ، وقيل : معناه لم يجامع تلك الليلة ، وبه جزم ابن حزم وقال : معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة . انتهى . ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ : لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة . فتنحى عثمان . وحكي عن الطحاوي أنه قال : ( لم يقارف ) تصحيف ، والصواب لم يقاول ؛ أي : لم ينازع غيره الكلام ، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء ، وتعقب بأنه تغليط للثقة بغير مستند ، وكأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف . ويجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع ، ولم يظن عثمان أنها تموت تلك الليلة ، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها ، بل ولا حين احتضارها ، والعلم عند الله تعالى . وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له ، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء ، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت - ولو كان امرأة - على الأب والزوج ، وقيل : إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته ، وفيه نظر ، فإن ظاهر السياق أنه صلى الله عليه وسلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع ، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة ، وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة ، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح ، ووقع في رواية حماد المذكورة : " فلم يدخل عثمان القبر " . وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن ، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت ، وحكى ابن قدامة في المغني عن الشافعي أنه يكره لحديث جبر بن عتيك في الموطأ ، فإن فيه : فإذا وجب فلا تبكين باكية . يعني إذا مات . وهو محمول على الأولوية ، والمراد : لا ترفع صوتها بالبكاء ، ويمكن أن يفرق بين الرجال والنساء في ذلك ، لأن النساء قد يفضي بهن البكاء إلى ما يحذر من النوح لقلة صبرهن ، واستدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا ، وفيه نظر ، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد ، إن شاء الله تعالى . وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة .

الحديث الثالث :

التالي السابق


الخدمات العلمية