صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة وقول الله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال ابن عباس رضي الله عنهما حدثني أبو سفيان رضي الله عنه فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف

1331 حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم
[ ص: 307 ] [ ص: 308 ] [ ص: 309 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الزكاة ) البسملة ثابتة في الأصل ، ولأكثر الرواة " باب " بدل " كتاب " ، وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل : باب ولا كتاب ، وفي بعض النسخ " كتاب الزكاة - باب وجوب الزكاة " . والزكاة في اللغة النماء ، يقال : زكا الزرع إذا نما ، وترد أيضا في المال ، وترد أيضا بمعنى التطهير . وشرعا بالاعتبارين معا : أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال ، أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر ، أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة . ودليل الأول : ما نقص مال من صدقة . ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء : إن الله يربي الصدقة . وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل ، وتطهير من الذنوب . وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها كما تقدم في كتاب الإيمان . وقال ابن العربي : تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو . وتعريفها في الشرع : إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ، ولا مطلبي . ثم لها ركن وهو الإخلاص ، وشرط هو السبب وهو ملك النصاب الحولي ، وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية . ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى . وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار . انتهى . وهو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف . والزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغنى عن تكلف الاحتجاج له ، وإنما وقع الاختلاف في فروعه ، وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر . وإنما ترجم المصنف بذلك على عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها .

قوله : ( وقول الله ) هو بالرفع . قال الزين بن المنير . مبتدأ وخبره محذوف ، أي هو دليل على ما قلناه من الوجوب . ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث : أولها حديث أبي سفيان - هو ابن حرب - الطويل في قصة هرقل ، أورده هنا معلقا واقتصر منه على قوله : يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف . ، ودلالته على الوجوب ظاهرة .

ثانيها حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن ، ودلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله .

ثالثها حديث أبي أيوب في سؤال الرجل عن العمل الذي يدخل به الجنة ، وأجيب بأن : تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم . وفي دلالته على الوجوب غموض . وقد أجيب عنه بأجوبة : أحدها أن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض فتحمل على الزكاة الواجبة . ثاني الأجوبة أن الزكاة قرينة الصلاة ، كما سيأتي في الباب من قول أبي بكر الصديق ، وقد قرن بينهما في الذكر هنا . ثالثها أنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل ، ومن لم يدخل الجنة دخل النار ، وذلك يقتضي الوجوب . رابعها أنه أشار إلى القصة التي في حديث أبي أيوب ، والقصة التي في حديث أبي هريرة الذي يعقبه واحدة ، فأراد أن يفسر الأول بالثاني لقوله فيه : وتؤدي الزكاة المفروضة . وهذا أحسن الأجوبة . وقد أكثر المصنف من استعمال هذه الطريقة .

رابع الأحاديث حديث أبي هريرة وقد أوضحناه .

خامسها حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ، وهو ظاهر أيضا .

سادسها حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة ، واحتجاجه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إن عصمة النفس والمال تتوقف على أداء الحق ، وحق المال الزكاة .

فأما حديث أبي سفيان فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي .

وأما حديث ابن عباس في بعث معاذ فسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة قبل أبواب صدقة الفطر بستة أبواب ، وقوله في أوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا [ ص: 310 ] إلى اليمن ، فقال : ادعهم . هكذا أورده في التوحيد مختصرا في أوله واختصر أيضا من آخره ، وأورده في التوحيد عن أبي عاصم مثله ، لكنه قرنه برواية غيره ، وقد أخرجه الدارمي في مسنده عن أبي عاصم ، ولفظه في أوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال : إنك ستأتي قوما أهل كتاب ، فادعهم . وفي آخره بعد قوله فقرائهم : فإن هم أطاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم أموالهم ، وإياك ودعوة المظلوم ، فإنها ليس لها من دون الله حجاب . وكذا قال في المواضع كلها : فإن أطاعوا لك في ذلك . والذي عند البخاري هنا : فإن هم أطاعوا لذلك . وستأتي هذه الزيادة من وجه آخر مع شرحها ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية