صفحة جزء
1332 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال ما له ما له وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرب ما له تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم وقال بهز حدثنا شعبة حدثنا محمد بن عثمان وأبوه عثمان بن عبد الله أنهما سمعا موسى بن طلحة عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال أبو عبد الله أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو
وأما حديث أبي أيوب فقوله فيه : " عن ابن عثمان " . الإبهام فيه من الراوي عن شعبة ، وذلك أن اسم هذا الرجل عمرو ، وكان شعبة يسميه محمدا ، وكان الحذاق من أصحابه يبهمونه كما وقع في رواية حفص بن عمرو كما سيأتي في الأدب عن أبي الوليد ، عن شعبة ، وكان بعضهم يقول محمد ، كما قال شعبة ، وبيان ذلك في طريق بهز التي علقها المصنف هنا ، ووصله في كتاب الأدب الآتي عن عبد الرحمن بن بشير ، عن بهز بن أسد ، وكذا أخرجه مسلم ، والنسائي من طريق بهز .

قوله : ( عن موسى بن طلحة ، عن أبي أيوب ) هو الأنصاري . ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها : " حدثنا موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب " .

قوله : ( أن رجلا ) هذا الرجل حكى ابن قتيبة في " غريب الحديث " له أنه أبو أيوب الراوي ، وغلطه بعضهم في ذلك فقال : إنما هو راوي الحديث . وفي التغليط نظر ، إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له ، ولا يقال يبعد ، لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابيا ، لأنا نقول : لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله إن رجلا ، والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي ، وابن السكن ، والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره ، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه ، قال : انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد ، فإذا رجل من قيس يقال له ابن المنتفق ، وهو يقول : وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلبته فلقيته بعرفات ، فزاحمت عليه ، فقيل لي : إليك عنه ، فقال : دعوا الرجل ، أرب ما له . قال : فزاحمت عليه حتى خلصت إليه ، فأخذت بخطام راحلته فما غير علي ، قال شيئين أسألك عنهما : ما ينجيني من النار ، وما يدخلني الجنة ؟ قال : فنظر إلى السماء ، ثم أقبل علي بوجهه الكريم ، فقال : لئن كنت أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت ، فاعقل علي ، اعبد الله لا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وصم رمضان . وأخرجه البخاري في " التاريخ " من طريق يونس بن أبي إسحاق ، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري ، عن أبيه قال : غدوت ، فإذا رجل يحدثهم . قال : وقال جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن المغيرة بن عبد الله ، قال : سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم . ثم ذكر الاختلاف فيه عن الأعمش ، وأن بعضهم قال فيه ، عن المغيرة بن سعد بن الأخرم ، عن أبيه ، والصواب : المغيرة بن عبد الله اليشكري . وزعم الصيرفي أن اسم ابن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق ، فالله أعلم . وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب ، لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية " أرب ما له " . في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة ، وكذا حديث أبي أيوب وقع عند [ ص: 311 ] مسلم من رواية عبد الله بن نمير ، عن عمرو بن عثمان بلفظ : أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر ، فأخذ بخطام ناقته ثم قال : يا رسول الله ، أخبرني . فذكره . وهذا شبيه بقصة سؤال ابن المنتفق . وأيضا فأبو أيوب لا يقول عن نفسه : " إن أعرابيا " والله أعلم . وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع الباهلي ، في حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي ، حدثني أبي ، حدثني خالي ، واسمه صخر بن القعقاع ، قال : لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة ، فأخذت بخطام ناقته ، فقلت : يا رسول الله ، ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار . فذكر الحديث ، وإسناده حسن .

قوله : ( قال : ما له ما له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرب ما له ) كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل قال ما له ما له ، وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب : " قال القوم ما له ما له " . قال ابن بطال : هو استفهام والتكرار للتأكيد . وقوله : " أرب " بفتح الهمزة والراء منونا ، أي حاجة ، وهو مبتدأ وخبره محذوف ، استفهم أولا ، ثم رجع إلى نفسه ، فقال : " له أرب " . انتهى . وهذا بناء على أن فاعل ( قال ) النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس كذلك لما بيناه ، بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم . وما زائدة ، كأنه قال : له حاجة ما . وقال ابن الجوزي : المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به ، لأنه قد علم بالسؤال أن له حاجة . وروي بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي ، وظاهره الدعاء والمعنى التعجب من السائل . وقال النضر بن شميل : يقال : أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده . وقال الأصمعي : أرب في الشيء صار ماهرا فيه فهو أريب ، وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته . ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد وفق ، أو لقد هدي . وقال ابن قتيبة : قوله : " أرب " من الآراب ، وهي الأعضاء ، أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ، ولا يراد حقيقته . وقيل : لما رأى الرجل يزاحمه دعا عليه ، لكن دعاؤه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح . وروي بفتح أوله وكسر الراء والتنوين ؛ أي هو أرب ، أي حاذق فطن . ولم أقف على صحة هذه الرواية . وجزم الكرماني بأنها ليست محفوظة . وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر : أرب بفتح الجميع ، وقال : لا وجه له ، قلت : وقعت في الأدب من طريق الكشميهني وحده .

وقوله : " يدخلني الجنة " . بضم اللام والجملة في موضع جر صفة لقوله : " بعمل " . ويجوز الجزم جوابا للأمر . ورده بعض شراح " المصابيح " لأن قوله بعمل يصير غير موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد . وأجيب بأنه موصوف تقديرا ، لأن التنكير للتعظيم فأفاد ، ولأن جزاء الشرط محذوف ، والتقدير إن عملته يدخلني .

قوله : ( وتصل الرحم ) أي تواسي ذوي القرابة في الخيرات . وقال النووي : معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك . وخص هذه الخصلة من بين خلال الخير نظرا إلى حال السائل ، كأنه كان لا يصل رحمه ، فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه . ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها ، إما لمشقتها عليه ، وإما لتسهيله في أمرها .

قوله : ( قال أبو عبد الله ) هو المصنف .

قوله : ( أخشى أن يكون محمد غير محفوظ ، إنما هو عمرو ) وجزم في " التاريخ " بذلك ، وكذا [ ص: 312 ] قال مسلم في شيوخ شعبة ، والدارقطني في " العلل " وآخرون : المحفوظ عمرو بن عثمان . وقال النووي : اتفقوا على أنه وهم من شعبة ، وأن الصواب عمرو ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية