صفحة جزء
باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر

1356 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا إسرائيل حدثنا أبو الجويرية أن معن بن يزيد رضي الله عنه حدثه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي وخطب علي فأنكحني وخاصمت إليه وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن
[ ص: 342 ] قوله : ( باب إذا تصدق ) أي الشخص ( على ابنه وهو لا يشعر ) قال الزين بن المنير : لم يذكر جواب الشرط اختصارا ، وتقديره جاز ، لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي . ومناسبة الترجمة للخبر من جهة أن يزيد أعطى من يتصدق عنه ولم يحجر عليه ، وكان هو السبب في وقوع الصدقة في يد ولده ، قال : وعبر في هذه الترجمة بنفي الشعور وفي التي قبلها بنفي العلم ، لأن المتصدق في السابقة بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده ، فناسب أن ينفي عنه العلم ، وأما هذا فباشر التصدق غيره ، فناسب أن ينفي عن صاحب الصدقة الشعور .

قوله : ( حدثنا محمد بن يوسف ) هو الفريابي ، وأبو الجويرية بالجيم مصغرا اسمه حطان بكسر المهملة وكان سماعه من معن ، ومعن أمير على غزاة بالروم في خلافة معاوية ، كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية . قوله : ( أنا وأبي وجدي ) اسم جده الأخنس بن حبيب السلمي كما جزم به ابن حبان وغير واحد ، ووقع في الصحابة لمطين ، وتبعه البارودي ، والطبراني ، وابن منده ، وأبو نعيم أن اسم جد معن بن يزيد ثور ، فترجموا في كتبهم بثور ، وساقوا حديث الباب من طريق الجراح والد وكيع ، عن أبي الجويرية ، عن معن بن يزيد بن ثور السلمي ، أخرجه مطين ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن جده ، ورواه البارودي ، والطبراني عن مطين ، ورواه ابن منده عن البارودي ، وأبو نعيم عن الطبراني ، وجمهور الرواة عن أبي الجويرية ، لم يسموا جد معن ، بل تفرد سفيان بن وكيع بذلك ، وهو ضعيف ، وأظنه كان فيه عن معن بن يزيد أبي ثور السلمي فتصحفت أداة الكنية بابن ، فإن معنا كان يكنى أبا ثور ، فقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن معن بن يزيد ، وابنه ثورا قتلا يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس . وجمع ابن حبان بين القولين بوجه آخر فقال في " الصحابة " : ثور السلمي جد معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه . فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال ، والله أعلم . وروي عن يزيد بن أبي حبيب ، أن معن بن يزيد شهد بدرا هو وأبوه وجده ، ولم يتابع على ذلك . ، فقد روى أحمد ، والطبراني من طريق صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن يزيد بن الأخنس السلمي أنه أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم ، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم : ولا تمسكوا بعصم الكوافر فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا ، لأن [ ص: 343 ] الآية متأخرة الإنزال عن بدر قطعا . وقد فرق البغوي وغيره في الصحابة بين يزيد بن الأخنس وبين يزيد والد معن ، والجمهور على أنه هو .

قوله : ( وخطب علي فأنكحني ) أي : طلب لي النكاح فأجيب ، يقال : خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه ، وعلى فلان إذا أرادها لغيره ، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها . ولم أقف على اسم المخطوبة ، ولو ورد أنها ولدت منه لضاهى بيت الصديق في الصحبة من جهة كونهم أربعة في نسق ، وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة ، فروى الحاكم في " المستدرك " أن حارثة قدم فأسلم ، وذكر الواقدي في المغازي أن أسامة ولد له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تتبعت نظائر لذلك أكثرها فيه مقال ذكرتها في " النكت على علوم الحديث لابن الصلاح " .

) قوله : ( وكان أبي يزيد ) بالرفع على البدلية .

قوله : ( فوضعها عند رجل لم أقف على اسمه ، وفي السياق حذف تقديره : وأذن له أن يتصدق بها على محتاج إليها إذنا مطلقا .

قوله : ( فجئت فأخذتها ) أي : من المأذون له في التصدق بها بإذنه لا بطريق الاعتداء ، ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السكري ، عن أبي الجويرية في هذا الحديث : قلت : ما كانت خصومتك ؟ قال : كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال يعرفهم ، فظن أني بعض من يعرف . فذكر الحديث .

قوله : ( فأتيته ) الضمير لأبيه أي : فأتيت أبي بالدنانير المذكورة .

قوله : ( والله ما إياك أردت ) يعني لو أردت أنك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل فيها ، أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ ، أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل .

قوله : ( فخاصمته ) تفسير لقوله أولا : " وخاصمت إليه " .

قوله : ( لك ما نويت ) أي : إنك نويت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها ، وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع ، وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها .

قوله : ( ولك ما أخذت يا معن أي : لأنك أخذتها محتاجا إليها . قال ابن رشيد : الظاهر أنه لم يرد بقوله : " والله ما إياك أردت " ؛ أي : إني أخرجتك بنيتي ، وإنما أطلقت لمن تجزئ عني الصدقة ولم تخطر أنت ببالي ، فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم الإطلاق ، لأنه فوض للوكيل بلفظ مطلق فنفذ فعله . وفيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد اللفظ به ، والله أعلم . واستدل به على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ، ولو كان ممن تلزمه نفقته ، ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم أباه يزيد نفقته ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطا في " باب الزكاة على الزوج " بعد ثلاثين بابا ، إن شاء الله تعالى . وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله . وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن ، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا . وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع ، لأن فيه نوع إسرار . وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أو لا . وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده بخلاف الهبة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية