صفحة جزء
باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا

1412 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول يعني حديث ابن عمر وفيما سقت السماء العشر وبين في هذا ووقت والزيادة مقبولة والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة وقال بلال قد صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل
[ ص: 407 ] قوله : ( باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري ) قال الزين بن المنير : عدل عن لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء الجاري ليجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء العيون ، وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير حكمه حكم ما يجري من العيون . انتهى . وكأنه أشار إلى ما في بعض طرقه ، فعند أبي داود : " فيما سقت السماء والأنهار والعيون " الحديث .

قوله : ( ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا ) أي : زكاة ، وصله مالك في " الموطأ " عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، قال : جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي ، وهو بمنى : أن لا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر ، قال : " بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن ، فأردت أن آخذ من العسل العشر ، فقال مغيرة بن حكيم الصنعاني : ليس فيه شيء ، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال : صدق ، هو عدل رضا ، ليس فيه شيء " وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يخالفه ، أخرجه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن كتاب إبراهيم بن ميسرة قال : " ذكر لي بعض من لا أتهم من أهلي أنه تذاكر هو وعروة بن محمد السعدي فزعم عروة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل ، فزعم عروة أنه كتب إليه : إنا قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف فخذ منه العشر " . انتهى . وهذا إسناد ضعيف لجهالة الواسطة ، والأول أثبت ، وكأن البخاري أشار إلى تضعيف ما روي : أن في العسل العشر . وهو ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال . كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر : وفي إسناده عبد الله بن محرر ، وهو بمهملات وزن محمد ، قال البخاري في تاريخه : عبد الله متروك ، ولا يصح في زكاة العسل شيء . قال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء . قال الشافعي في القديم : حديث إن في العسل العشر ضعيف ، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف ، إلا عن عمر بن عبد العزيز . انتهى . وروى عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة من طريق طاوس : أن معاذا لما أتى اليمن [ ص: 408 ] قال : لم أؤمر فيهما بشيء يعني العسل وأوقاص البقر ، وهذا منقطع ، وأما ما أخرجه أبو داود ، والنسائي من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : جاء هلال أحد بني متعان - أي : بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له ، وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له ، فلما ولي عمر كتب إلى عامله : إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه ، وإلا فلا . وإسناده صحيح إلى عمرو >[1] وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض ، وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا ، فعند عبد الرزاق ، عن صالح بن دينار " أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها ، فجمع عثمان أهل العسل ، فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال : ما هذا ؟ قال : صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عشورا . لكن الإسناد الأول أقوى ، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب . وقال ابن المنذر : ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه ، وهو قول الجمهور ، وعن أبي حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق : يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج . وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي بعد أن أخرج حديث ابن عمر فيه ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم . وقال بعض أهل العلم : ليس في العسل شيء ، وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى ، قال ابن المنير : مناسبة أثر عمر في العسل للترجمة من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه ، لأنه خص العشر أو نصفه بما يسقى ، فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر ، زاد ابن رشيد : فإن قيل المفهوم إنما ينفي العشر أو نصفه لا مطلق الزكاة ، فالجواب أن الناس قائلان : مثبت للعشر وناف للزكاة أصلا ، فتم المراد . قال : ووجه إدخاله العسل أيضا للتنبيه على الخلاف فيه ، وأنه لا يرى فيه زكاة وإن كانت النحل تتغذى مما يسقى من السماء لكن المتولد بالمباشرة كالزرع ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن ، فإنه متولد عن الرعي ولا زكاة فيه .

قوله : ( عثريا ) بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية ، وحكي عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ، ورده ثعلب وحكى ابن عديس في المثلث فيه ضم أوله وإسكان ثانيه ، قال الخطابي : هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي ، زاد ابن قدامة ، عن القاضي أبي يعلى : وهو المستنقع في بركة ونحوها ، يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له ، قال : واشتقاقه من العاثور ، وهي الساقية التي يجري فيها الماء ، لأن الماشي يعثر فيها . قال : ومنه الذي يشرب من الأنهار بغير مؤنة ، أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فيصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي ، وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء ، لأن سياق الحديث يدل على المغايرة ، وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له ، لأنه لا زكاة فيه ، قال ابن قدامة : لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافا .

قوله : ( بالنضح ) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة ، أي : بالسانية ، وهي رواية مسلم ، والمراد بها الإبل التي يستقى عليها ، وذكر الإبل كالمثال ، وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم .

[ ص: 409 ] قوله : ( قال أبو عبد الله : هذا تفسير الأول . . . إلخ ) هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العثري ، ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده ، وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا ، وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب . انتهى . ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات ، فجزم بأنه وقع هنا في جميعها ، قال : وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه ، قلت : ولذكره عقب كل من الحديثين وجه ، لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد ، لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر ، فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب ، وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة ، ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله ، وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد ، فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره ، فأخذ به الجمهور عملا بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد ، إن شاء الله تعالى . وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح ، فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك ، وهو قول أهل العلم ، قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافا ، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي ، والثاني يؤخذ بالقسط ، ويحتمل أن يقال : إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه ، وعن ابن القاسم صاحب مالك : العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل ، قاله ابن التين عن حكاية أبي محمد بن أبي زيد عنه ، والله أعلم .

( تنبيه ) : قال النسائي عقب تخريج هذا الحديث : رواه نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، قال وسالم أجل من نافع ، وقول نافع أولى بالصواب . وقوله بعده : ( هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول ) أي : لم يذكر حدا للنصاب ، و قوله : ( وبين في هذا ) يعني في حديث أبي سعيد .

قوله : ( والزيادة مقبولة ) أي : من الحافظ ، والثبت بتحريك الموحدة : الثبات والحجة .

قوله : ( والمفسر يقضي على المبهم ) : أي : الخاص يقضي على العام ، لأن " فيما سقت " عام يشمل النصاب ودونه ، و " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " خاص بقدر النصاب ، وأجاب بعض الحنفية بأن محل ذلك ما إذا كان البيان وفق المبين لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ، أما إذا انتفى شيء من أفراد العام مثلا ، فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا ، فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق ، وسكت عما لا يقبل التوسيق فيمكن التمسك بعموم قوله : " فيما سقت السماء العشر " . أي : مما لا يمكن التوسيق فيه عملا بالدليلين ، وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا : " لا زكاة في الخضراوات " . رواه الدارقطني من طريق علي وطلحة ومعاذ مرفوعا ، وقال الترمذي : لا يصح فيه شيء إلا مرسل موسى بن طلحة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للاقتيات في حال الاختيار . وهذا قول مالك والشافعي . وعن أحمد : يخرج من جميع ذلك ولو كان لا يقتات . وهو قول محمد وأبي يوسف . وحكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض ، إلا أن أبا حنيفة قال : تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر . انتهى . وحكى عياض ، عن داود أن كل ما يدخل فيه [ ص: 410 ] الكيل يراعى فيه النصاب ، وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة ، وهو نوع من الجمع بين الحديثين المذكورين ، والله أعلم . وقال ابن العربي أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة ، وهو التمسك بالعموم ، قال : وقد زعم الجويني أن الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مما تكثر مؤنته ، قال ابن العربي : لا مانع أن يكون الحديث يقتضي الوجهين ، والله أعلم .

قوله : ( كما روى إلخ ) أي : كما أن المثبت مقدم على النافي في حديثي الفضل وبلال ، وحديث الفضل أخرجه أحمد وغيره ، وحديث بلال سيأتي موصولا في كتاب الحج ، إن شاء الله تعالى .

( تكميل ) : اختلف في هذا النصاب : هل هو تحديد أو تقريب ؟ وبالأول جزم أحمد ، وهو أصح الوجهين للشافعية ، إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر ، قاله ابن دقيق العيد ، وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب ، واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة أوسق بحسابه ولا وقص فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية