صفحة جزء
باب ما يقول عند الخلاء

142 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنسا يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث تابعه ابن عرعرة عن شعبة وقال غندر عن شعبة إذا أتى الخلاء وقال موسى عن حماد إذا دخل وقال سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز إذا أراد أن يدخل
قوله : ( باب ما يقول عند الخلاء ) أي : عند إرادة الدخول في الخلاء إن كان معدا لذلك وإلا فلا تقدير .

( تنبيه ) : أشكل إدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة ; لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب إسباغه ثم غسل الوجه ثم التسمية ولا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه لأن محلها مقارنة أول جزء منه ، فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء ، لكن ذكر بعدها القول عند الخلاء ، واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء ، ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة ، وقد خفي وجه المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا : ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه لا بعده ، ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء ؟ وأجاب بقوله : قلت البخاري لا يراعي حسن الترتيب ، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير ، انتهى .

وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه : لو ترك البخاري هذا لكان أولى ; لأنه ليس من موضوع كتابه ، وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له [ ص: 293 ] توجيه ما يقوله البخاري ، مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم ، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيدة وأمثالهما ، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما .

والعجب من دعوى الكرماني أنه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب ، مع أنه لا يعرف لأحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره ، حتى قال جمع من الأئمة : فقه البخاري في تراجمه . وقد أبديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به ، وقد أمعنت النظر في هذا الموضع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني ; لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناء تاما كما سأذكره هناك ، وقد يتلمح أنه ذكر أولا فرض الوضوء كما ذكرت ، وأنه شرط لصحة الصلاة ، ثم فضله وأنه لا يجب إلا مع التيقن ، وأن الزيادة فيه على إيصال الماء إلى العضو ليس بشرط ، وأن ما زاد على ذلك من الإسباغ فضل ، ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة ، وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء ، فاستطرد من هنا لآداب الاستنجاء وشرائطه ، ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة ، ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر ، وورد الأمر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظف ، ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي فيه المسح دون مسمى الغسل ، ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق ، ثم استدرك بغسل العقبين لئلا يظن أنهما لا يدخلان في مسمى القدم ، وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه .

ثم ذكر فضل الابتداء باليمين ، ومتى يجب طلب الماء للوضوء ، ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء . ثم ذكر الاستعانة في الوضوء ، ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء ، واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل ، إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك . وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب ، فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم .

قوله : ( الخبث ) بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية ، وقال الخطابي : إنه لا يجوز غيره ، وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب ، قال النووي : وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة ، إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر ، والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة ، يريد ذكران الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ، ووقع في نسخة ابن عساكر : قال أبو عبد الله - يعني البخاري - ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة ، فإن كانت مخففة عن الحركة فقد تقدم توجيهه ، وإن كان بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي : المكروه ، قال : فإن كان من الكلام فهو الشتم ، وإن كان من الملل فهو الكفر ، وإن كان من الطعام فهو الحرام ، وإن كان من الشراب فهو الضار ، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ; ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك ، الأول بالإسكان مع الإفراد ، والثاني بالتحريك مع الجمع ، أي : من الشيء المكروه [ ص: 294 ] ومن الشيء المذموم ، أو من ذكران الشياطين وإناثهم . وكان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ إظهارا للعبودية ، ويجهر بها للتعليم . وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال : إذا دخلتم الخلاء فقولوا : بسم الله ، أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم ، وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية .

قوله : ( تابعه ابن عرعرة ) اسمه محمد ، وحديثه عند المصنف في الدعوات .

قوله . ( وقال غندر ) هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه ، ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل .

قوله : ( وقال موسى ) هو ابن إسماعيل التبوذكي .

قوله : ( عن حماد ) هو ابن سلمة يعني عبد العزيز بن صهيب ، وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور .

قوله : ( وقال سعيد بن زيد ) هو أخو حماد بن زيد ، وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال : حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال : حدثني أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدخل الخلاء قال . . فذكر مثل حديث الباب ، وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله : " إذا دخل الخلاء " أي : كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده . والله أعلم .

وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول ، ولهذا قال ابن بطال . رواية " إذا أتى " أعم لشمولها ، انتهى . والكلام هنا في مقامين : أحدهما : هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن ، أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت ؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة . المقام الثاني : متى يقول ذلك ؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل : أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها ، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور ، وقالوا فيمن نسي : يستعيذ بقلبه لا بلسانه . ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل .

( تنبيه ) : سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه ، وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق ، لكن لم ينفرد بهذا اللفظ ، فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله ، وأخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية