صفحة جزء
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن وقال ابن عباس رضي الله عنهما يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان وطاف ابن عمر رضي الله عنهما وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها

1464 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير قال كان ابن عمر رضي الله عنهما يدهن بالزيت فذكرته لإبراهيم قال ما تصنع بقوله حدثني الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم
قوله : ( باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب ) الخلوق بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب مركب فيه زعفران .

قوله : ( قال أبو عاصم ) هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق ، وبذلك جزم الإسماعيلي فقال : ذكره عن أبي عاصم بلا خبر ، وأبو نعيم ، فقال : ذكره بلا رواية ، وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ : " حدثنا محمد ، حدثنا أبو عاصم " . ومحمد هو ابن معمر ، أو ابن بشار ، ويحتمل أن يكون البخاري ، ولم يقع في المتن ذكر الخلوق وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أبواب العمرة بلفظ : " وعليه أثر الخلوق " .

قوله : ( أن يعلى ) هو ابن أمية التميمي ، وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية ، وهي أمه ، وقيل : جدته ، وهو والد صفوان الذي روى عنه ، وليست رواية صفوان عنه لهذا الحديث بواضحة [ ص: 461 ] ، لأنه قال فيها : " إن يعلى قال لعمر " ، ولم يقل : إن يعلى أخبره أنه قال لعمر ، فإن يكن صفوان حضر مراجعتهما ، وإلا فهو منقطع ، لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر : " عن صفوان بن يعلى عن أبيه " . فذكر الحديث .

قوله : ( جاءه رجل ) سيأتي بعد أبواب بلفظ " جاء أعرابي " ولم أقف على اسمه ، لكن ذكر ابن فتحون في " الذيل " عن " تفسير الطرطوشي " أن اسمه عطاء بن منية ، قال ابن فتحون : إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى بن منية راوي الخبر ، ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي ، فإنه من رواية عطاء ، عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ، ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا ، ووقع في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن ما نصه : هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد ، إذ في كتاب " الشفاء " للقاضي عياض عنه ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق ، فقال ورس ورس حط حط ، وغشيني بقضيب بيده في بطني فأوجعني ، الحديث ، فقال شيخنا : لكن عمرو هذا لا يدرك ذا ، فإنه صاحب ابن وهب . انتهى كلامه . وهو معترض من وجهين : أما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها ، وأما ثانيا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم " . لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب مالك ، بل إن ثبت فهو آخر ، وافق اسمه اسمه ، واسم أبيه اسم أبيه ، والفرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على شيخنا ، وإنما الذي في " الشفاء " سواد بن عمرو وقيل : سوادة بن عمرو ، أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في " معجم الصحابة " ، وروى الطحاوي من طريق أبي حفص بن عمرو ، عن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق ، فقال ألك امرأة ؟ قال : لا ، قال : اذهب فاغسله ، فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلى بن أمية هو صاحب القصة ، وليس كذلك ، فإن راوي هذا الحديث يعلى بن مرة الثقفي ، وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإحرام . نعم روى الطحاوي في موضع آخر أن يعلى بن أمية صاحب القصة قال : " حدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا عبد الرحمن - هو ابن زياد الوضاحي - حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عطاء بن أبي رباح : أن رجلا يقال له : يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ، قال قتادة : قلت لعطاء : إنما كنا نرى أن نشقها ، فقال عطاء : إن الله لا يحب الفساد .

قوله : ( قد أظل به ) بضم أوله وكسر الظاء المعجمة ؛ أي جعل عليه كالظلة . ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ويستفاد منه أن المأمور به - وهو الإتمام - يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة .

قوله : ( يغط ) بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة ؛ أي ينفخ ، والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى ، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي ، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي كما سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عنه ، وكان يقول ذلك لعمر ، فقال له عمر حينئذ : تعال فانظر ، وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : ( سري ) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة ؛ أي كشف عنه شيئا بعد شيء .

قوله : ( اغسل الطيب الذي بك ) هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه ، وسيأتي البحث فيه .

قوله : ( واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك ) في رواية الكشميهني " كما تصنع " وسيأتي في [ ص: 462 ] أبواب العمرة بلفظ كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ، ولمسلم من طريق قيس بن سعد ، عن عطاء : وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك . وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك ، قال ابن العربي : كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة ، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد . وقال ابن المنير في الحاشية قوله : " واصنع " معناه اترك ، لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم ، فيؤخذ منه فائدة حسنة ، وهي أن الترك فعل . قال : وأما قول ابن بطال : أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ، ففيه نظر ، لأن التروك مشتركة ، بخلاف الأعمال ، فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة ، كالوقوف وما بعده . وقال النووي كما قال ابن بطال ، وزاد : ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج . وقال الباجي : المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق ، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية . كذا قال ، ولا وجه لهذا الحصر ، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع ، وذلك أن عند مسلم ، والنسائي من طريق سفيان ، عن عمرو بن دينار ، وعن عطاء في هذا الحديث ، فقال : ما كنت صانعا في حجك ؟ قال : أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق . فقال : ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك

قوله : ( فقلت لعطاء ) القائل هو ابن جريج ، وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله " ثلاث مرات " من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي ، وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة " اغسله " مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة لتفهم عنه ، نبه عليه عياض ، قال الإسماعيلي : ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة ، وإنما فيه أن الرجل كان متضمخا . وقوله له : اغسل الطيب الذي بك ، يوضح أن الطيب لم يكن في ثوبه ، وإنما كان على بدنه ، ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام ا هـ . والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده ، وسيأتي في محرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ : عليه قميص فيه أثر صفرة والخلوق في العادة إنما يكون في الثوب . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ، عن قتادة ، عن عطاء بلفظ : " رأى رجلا عليه جبة عليها أثر خلوق " . ولمسلم من طريق رباح بن أبي معروف ، عن عطاء مثله ، وقال سعيد بن منصور : " حدثنا هشيم ، أخبرنا عبد الملك ومنصور وغيرهما عن عطاء ، عن يعلى بن أمية ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحرمت وعلي جبتي هذه . وعلى جبته ردغ من خلوق ، الحديث . وفيه : فقال : اخلع هذه الجبة ، واغسل هذا الزعفران . واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن ، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن . وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث ، وهي في سنة ثمان بلا خلاف . وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها كما سيأتي في الذي بعده ، وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر ، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب ، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران . وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم ، وفي حديث ابن عمر الآتي قريبا : ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران . وفي حديث ابن عباس الآتي أيضا : ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة . وسيأتي مزيد في ذلك في الباب الذي بعده ، [ ص: 463 ] واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه ، وقال مالك : إن طال ذلك عليه لزمه ، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية : " يجب مطلقا " وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه ، خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا : لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه . أخرجه ابن أبي شيبة عنهما . وعن علي نحوه ، وكذا عن الحسن ، وأبي قلابة ، وقد وقع عند أبي داود بلفظ : " اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه " . وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له ، وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن ممن يتلى ، لكن وقع عند الطبراني في " الأوسط " أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي .

قوله : ( باب الطيب عند الإحرام ، وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن ) أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو بالنسبة إلى الثياب ، لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده ، وأما الطيب فلا يمنع استدامته على البدن ، وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب الترجل والادهان لجامع ما بينهما من الترفه ، فكأنه يقول : يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا يحرم على المحرم ، كذا قال ابن المنير ، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد [ ص: 464 ] أربعة أبواب من طريق كريب ، عن ابن عباس ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ، الحديث . وقوله : " ترجل " أي سرح شعره ، وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة : " طيبته في مفرقه " . لأن فيه نوع ترجيل ، وسيأتي من وجه آخر بزيادة " وفي أصول شعره " .

قوله : ( وقال ابن عباس . . . إلخ ) أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور : " حدثنا ابن عيينة ، عن أيوب ، عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان : " وروينا في " المعجم الأوسط " مثله عن عثمان ، وأخرج ابن أبي شيبة ، عن جابر خلافه ، واختلف في الريحان ، فقال إسحاق : يباح ، وتوقف أحمد . وقال الشافعي : يحرم ، وكرهه مالك والحنفية . ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف ، وأما غيره فلا . وأما النظر في المرآة ، فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه : " عن هشام بن حسان ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم . وأخرجه ابن أبي شيبة ، عن ابن إدريس ، عن هشام به ، ونقل كراهته عن القاسم بن محمد . وأما التداوي ، فقال أبو بكر بن أبي شيبة " : حدثنا أبو خالد الأحمر ، وعباد بن العوام ، عن أشعث ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يقول : يتداوى المحرم بما يأكل . وقال أيضا : " حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن . ووقع في الأصل : " يتداوى بما يأكل ، الزيت والسمن " . وهما بالجر في روايتنا ، وصحح عليه ابن مالك عطفا على ما الموصولة ، فإنها مجرورة بالباء ، ووقع في غيرها بالنصب ، وليس المعنى عليه ، لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول ، لكن يجوز على الاتساع . وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله : إن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم . أخرجه ابن أبي شيبة .

( تنبيه ) قوله ( يشم ) بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكي ضمها .

قوله : ( وقال عطاء : يتختم ويلبس الهميان ) هو بكسر الهاء معرب ، يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط . وقد روى الدارقطني من طريق الثوري ، عن ابن إسحاق عن ابن عطاء ، قال : لا بأس بالخاتم للمحرم . وأخرج أيضا من طريق شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء - وربما ذكره عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس ، قال : لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم ، والأول أصح . وأخرجه الطبراني ، وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف . قال ابن عبد البر : أجاز ذلك فقهاء الأمصار ، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض ، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر ، وعنه جوازه . ومنع إسحاق عقده ، وقيل : إنه تفرد بذلك ، وليس كذلك ، فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب ، قال : لا بأس بالهميان للمحرم ، ولكن لا يعقد عليه السير ، ولكن يلفه لفا . وقال ابن أبي شيبة : حدثنا الفضل بن دكين ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال رأيت على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم ، وعلى عطاء .

قوله : ( وطاف ابن عمر وهو محرم ، وقد حزم على بطنه بثوب ) وصله الشافعي من طريق طاوس ، قال : رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب . وروي من وجه آخر عن نافع أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره . وروى ابن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب ، سمعت ابن عمر يقول : لا تعقد عليك شيئا وأنت محرم . قال ابن التين : هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ، ولم يشده فوق المئزر ، وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية .

[ ص: 465 ] قوله : ( ولم تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها ) وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا : قال أبو عبد الله يعني الذين . . إلخ . التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة : سراويل قصير بغير أكمام ، والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف ، ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة ، قال الجوهري : رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل ، قال الأعشى : "

رحلت أميمة غدوة أجمالها

" ، وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر : "

إذا ما قمت أرحلها بليل

" ، وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها . وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها حجت ومعها غلمان لها ، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء ، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين ، فيلبسونها وهم محرمون . وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ : " يشدون هودجها " . وفي هذا رد على ابن التين في قوله : أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال ، وكأن هذا رأي رأته عائشة ، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم .

قوله : ( سفيان ) هو الثوري ، ومنصور هو ابن المعتمر ، والإسناد إلى ابن عمر كوفيون ، وكذا إلى عائشة .

قوله : ( يدهن بالزيت ) أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا ، كمأ أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعا ، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة ، وهو أصح ، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر ، أن ابن عمر قال : " لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح محرما . وفيه إنكار عائشة عليه ، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه ، فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي ، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك . وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول : " لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام " . قال : فدعوت رجلا وأنا جالس بجنب ابن عمر ، فأرسلته إليها وقد علمت قولها ، ولكن أحببت أن يسمعه أبي ، فجاءني رسولي ، فقال : إن عائشة تقول : لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك . قال : فسكت ابن عمر . وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة ، قال ابن عيينة : " أخبرنا عمرو بن دينار ، عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ، ثم قال : قالت عائشة : " فذكر الحديث ، قال سالم : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع .

قوله : ( فذكرته لإبراهيم ) هو مقول منصور ، وإبراهيم هو النخعي .

قوله : ( فقال : ما تصنع بقوله ) يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل ، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن ، وأنه مستغنى بها عن آراء الرجال ، وفيها المقنع .

قوله : ( كأني أنظر ) أرادت بذلك قوة تحققها لذلك ، بحيث إنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه .

قوله : ( وبيص ) بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق ، وقد تقدم في الغسل قول الإسماعيلي : إن الوبيص زيادة على البريق ، وأن المراد به التلألؤ ، وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط .

قوله : ( في مفارق ) جمع مفرق ، وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس ، قيل : ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر .

التالي السابق


الخدمات العلمية