صفحة جزء
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ولبست عائشة رضي الله عنها الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت لا تلثم ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران وقال جابر لا أرى المعصفر طيبا ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة وقال إبراهيم لا بأس أن يبدل ثيابه

1470 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا فضيل بن سليمان قال حدثني موسى بن عقبة قال أخبرني كريب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه وقلد بدنته وذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل من أجل بدنه لأنه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رءوسهم ثم يحلوا وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب
[ ص: 474 ] قوله : ( باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ) هذه الترجمة مغايرة للسابقة التي قبلها من حيث إن تلك معقودة لما لا يلبس من أجناس الثياب ، وهذه لما يلبس من أنواعها . والأزر بضم الهمزة والزاي : جمع إزار .

قوله : ( ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة ) وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد ، قال : كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة . إسناده صحيح . وأخرجه البيهقي من طريق ابن أبي مليكة : أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة . وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم . وعن أبي حنيفة : العصفر طيب وفيه الفدية ، واحتج بأن عمر كان ينهى عن الثياب المصبغة ، وتعقبه ابن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر ، ثم ساق له قصة مع طلحة فيها بيان ذلك .

قوله : ( وقالت ) أي عائشة ( لا تلثم ) بمثناة واحدة وتشديد المثلثة ، وهو على حذف إحدى التاءين ، وفي رواية أبي ذر : تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها ؛ أي لا تغطي شفتها بثوب ، وقد وصله البيهقي ، وسقط من رواية الحموي من الأصل ، وقال سعيد بن منصور : " حدثنا هشيم ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها . وفي " مصنف ابن أبي شيبة " عن عبد الأعلى ، عن هشام ، عن الحسن ، وعطاء قالا : " لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ، ولا تبرقع ولا تلثم ، وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا " . وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عائشة .

قوله : ( وقال جابر ) أي ابن عبد الله الصحابي .

قوله : ( لا أرى المعصفر طيبا ) أي تطيبا . وصله الشافعي ومسدد بلفظ : " لا تلبس المرأة ثياب الطيب ولا أرى المعصفر طيبا " وقد تقدم الخلاف في ذلك .

قوله : ( ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة ) وصله البيهقي من طريق ابن باباه المكي : أن امرأة سألت عائشة : ما تلبس المرأة في إحرامها ؟ قالت عائشة : تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها . وأما المورد - والمراد ما صبغ على لون الورد - فسيأتي موصولا في : " باب طواف النساء " في آخر حديث عطاء ، عن عائشة ، وأما الخف فوصله ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر ، والقاسم بن محمد ، والحسن وغيرهم ، وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف ، وأن لها أن تغطي [ ص: 475 ] رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال . ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت : " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر . تعني جدتها قال : ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة ، قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات ، فإذا جاوزنا رفعناه . انتهى . وهذا الحديث أخرجه هو من طريق مجاهد عنها ، وفي إسناده ضعف .

قوله : ( وقال إبراهيم ) أي النخعي .

قوله : ( لا بأس أن يبدل ثيابه ) وصله سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم ، عن مغيرة ، وعبد الملك ، ويونس ، أما مغيرة ، فعن إبراهيم ، وأما عبد الملك فعن عطاء ، وأما يونس فعن الحسن ، قالوا : " يغير المحرم ثيابه ما شاء " . لفظ سعيد ، وفي رواية ابن أبي شيبة " أنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه " . قال سعيد : " وحدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها مكة " .

قوله : ( حدثنا فضيل ) هو بالتصغير .

قوله : ( ترجل ) أي سرح شعره .

قوله : ( وادهن ) قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته ، وأجمعوا أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه ، ففرقوا بين الطيب والزيت في هذا ، فقياس كون المحرم ممنوعا عن استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه ، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ذلك قبل بأبواب .

قوله : ( التي تردع ) بالمهملة أي تلطخ يقال : ردع إذا التطخ ، والردع أثر الطيب ، وردع به الطيب إذا لزق بجلده ، قال ابن بطال : وقد روي بالمعجمة من قولهم أردغت الأرض إذا كثرت مناقع المياه فيها ، والردغ بالغين المعجمة الطين . انتهى . ولم أر في شيء من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة ، ولا تعرض لها عياض ولا ابن قرقول ، والله أعلم . ووقع في الأصل تردع على الجلد ، قال ابن الجوزي : الصواب حذف " على " كذا قال ، وإثباتها موجه أيضا كما تقدم .

قوله : ( فأصبح بذي الحليفة ) أي وصل إليها نهارا ثم بات بها كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده من حديث أنس .

قوله : ( حتى استوى على البيداء أهل ) تقدم نقل الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه .

قوله : ( وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ) أخرج مسلم مثله من حديث عائشة ، واحتج به ابن حزم في كتاب " حجة الوداع " له على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس ، قال : لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك ، لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف ، وظاهر قول ابن عباس : " لخمس " يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا كما سيأتي قريبا من حديث أنس ، فتبين أنه لم يكن يوم الجمعة [ ص: 476 ] ، فتعين أنه يوم الخميس . وتعقبه ابن القيم بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعا وعشرين يوما . انتهى . ويؤيده ما رواه ابن سعد والحاكم في " الإكليل " أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ، وفيه رد على من منع إطلاق القول في التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا ، فلا يصح الكلام ، فيقول مثلا : لخمس إن بقين ، بزيادة أداة الشرط ، وحجة المجيز أن الإطلاق يكون على الغالب ، ومقتضى قوله أنه دخل مكة لأربع خلون من ذي الحجة أن يكون دخلها صبح يوم الأحد ، وبه صرح الواقدي .

قوله : ( والطيب والثياب ) أي كذلك ، وقوله : " الحجون " بفتح المهملة بعدها جيم مضمومة ، هو الجبل المطل على المسجد بأعلى مكة على يمين المصعد ، وهناك مقبرة أهل مكة . وسيأتي بقية شرح ما اشتمل عليه حديث ابن عباس هذا مفرقا في الأبواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية