صفحة جزء
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي

1486 حدثنا عثمان حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة رضي الله عنها فحضت فلم أطف بالبيت فلما كانت ليلة الحصبة قالت يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة قال وما طفت ليالي قدمنا مكة قلت لا قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا قالت صفية ما أراني إلا حابستهم قال عقرى حلقى أو ما طفت يوم النحر قالت قلت بلى قال لا بأس انفري قالت عائشة رضي الله عنها فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها
[ ص: 493 ] [ ص: 494 ] قوله : ( باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي ) أما التمتع فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة ، والإهلال بالحج في تلك السنة ، قال الله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضا ، قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج ، قال : ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده ، ومن التمتع فسخ الحج أيضا إلى العمرة . انتهى . وأما القران فوقع في رواية أبي ذر " الإقران " بالألف ، وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره ، وصورته الإهلال بالحج والعمرة معا ، وهذا لا خلاف في جوازه ، أو الإهلال بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج أو عكسه ، وهذا مختلف فيه . وأما الإفراد فالإهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع ، وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه ، والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء . وأما فسخ الحج فالإحرام بالحج ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعا ، وفي جوازه اختلاف آخر ، وظاهر تصرف [ ص: 495 ] المصنف إجازته ، فإن تقدير الترجمة باب مشروعية التمتع . . . إلخ ، ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع . . . إلخ ، فلا يكون فيه دلالة على أنه يجيزه .

ثم أورد المصنف في الباب سبعة أحاديث : الأول : حديث عائشة من وجهين . قوله : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ) تقدم في الباب قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه .

قوله : ( ولا نرى إلا أنه الحج ) ، ولأبي الأسود ، عن عروة عنها كما سيأتي : " مهلين بالحج " ولمسلم من طريق القاسم عنها : " لا نذكر إلا الحج " وله من هذا الوجه " لبينا بالحج " وظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا أولا محرمين بالحج ، لكن في رواية عروة عنها هنا : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج ، فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام ، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج ، وسيأتي في " باب الاعتمار بعد الحج " من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه عنها " فقال : من أحب أن يهل بعمرة فليهل ، ومن أحب أن يهل بحج فليهل ولأحمد من طريق ابن شهاب ، عن عروة " فقال : من شاء فليهل بعمرة ، ومن شاء فليهل بحج . ولهذه النكتة أورد المصنف في الباب حديث ابن عباس : " كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور . فأشار إلى الجمع بين ما اختلف عن عائشة في ذلك ، وأما عائشة نفسها ، فسيأتي في أبواب العمرة ، وفي حجة الوداع من المغازي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث ، قالت : وكنت ممن أهل بعمرة وسبق في كتاب الحيض من طريق ابن شهاب نحوه عن عروة ، زاد أحمد من وجه آخر عن الزهري : " ولم أسق هديا " فادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة ، وأن الصواب رواية الأسود ، والقاسم ، وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا وتعقب بأن قول عروة عنها : إنها أهلت بعمرة صريح ، وأما قول الأسود وغيره عنها : " لا نرى إلا الحج " فليس صريحا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما تقدم من غير تغليطعروة وهو أعلم الناس بحديثها ، وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي كما أخرجه مسلم عنه ، وكذا رواه طاوس ، ومجاهد ، عن عائشة ويحتمل في الجمع أيضا أن يقال : أهلت عائشة بالحج مفردا كما فعل غيرها من الصحابة ، وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه : ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ، ففعلت عائشة ما صنعوا ، فصارت متمتعة . وعلى هذا يتنزل حديث عروة : ثم لما دخلت مكة وهي حائض فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض ، أمرها أن تحرم بالحج . على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك ، والله أعلم .

قوله : ( فلما قدمنا تطوفنا بالبيت ) أي غيرها ، لقولها بعده : " فلم أطف " فإنه تبين به أن قولها " تطوفنا " من العام الذي أريد به الخاص .

قوله : ( فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل ) أي من الحج بعمل العمرة ، وهذا هو فسخ الحج المترجم به .

قوله : ( ونساؤه لم يسقن ) أي الهدي .

قوله : ( فأحللن ) أي وهي منهن ، لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولهم مكة ، وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك ، وأنها بكت ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : كوني في حجك . فظاهره أنه [ ص: 496 ] صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجا ، ولهذا قالت : يرجع الناس بحج وعمرة ، وأرجع بحج . فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم ، وقال مالك ليس العمل على حديث عروة قديما ولا حديثا ، قال ابن عبد البر : يريد ليس عليه العمل في رفض العمرة وجعلها حجا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة . واختلف في جوازه من بعدهم لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله : " ارفضي عمرتك " أي اتركي التحلل منها ، وأدخلي عليها الحج فتصير قارنة ، ويؤيده قوله في رواية لمسلم : " وأمسكي عن العمرة " . أي عن أعمالها ، وإنما قالت عائشة " وأرجع بحج " لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين ، واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها : وأرجع أنا بحجة ليس معها عمرة . أخرجه أحمد ، وهذا يقوي قول الكوفيين : إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة ، وتمسكوا في ذلك بقولها في الرواية المتقدمة : " دعي عمرتك " وفي رواية : " ارفضي عمرتك " ونحو ذلك . واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة وتهل بالحج مفردا كما فعلت عائشة ، لكن في رواية عطاء عنها ضعف ، والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر : أن عائشة أهلت بعمرة ، حتى إذا كانت بسرف حاضت ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أهلي بالحج ، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت ، فقال : قد حللت من حجك وعمرتك ، قالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : فأعمرها من التنعيم . ولمسلم من طريق طاوس عنها : فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : طوافك يسعك لحجك وعمرتك فهذا صريح في أنها كانت قارنة لقوله : " قد حللت من حجك وعمرتك " ، وإنما أعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها ، لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة . وقد وقع في رواية لمسلم : وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه " وسيأتي الكلام على قصة صفية في أواخر الحج وعلى ما في قصة اعتمار عائشة من الفوائد في أبواب العمرة ، إن شاء الله تعالى .

قوله : ( وأرجع أنا بحجة ) في رواية الكشميهني " وأرجع لي بحجة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية