صفحة جزء
1507 حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أشعث عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض
قوله في الطريقة الثانية : ( حدثنا الأشعث ) هو ابن أبي الشعثاء المحاربي ، وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأسود بزيادة ، نبهنا على ما فيها هناك .

قوله : ( عن الجدر ) بفتح الجيم وسكون المهملة كذا للأكثر ، وكذا هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه ، وفي رواية المستملي " الجدار " قال الخليل : الجدر لغة في الجدار . انتهى . ووهم من ضبطه بضمها ، لأن المراد الحجر ، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي الأحوص شيخ مسدد فيه : " الجدر أو الحجر " بالشك ، ولأبي عوانة من طريق شيبان ، عن الأشعث " الحجر " بغير شك .

قوله : ( أمن البيت هو ؟ قال : نعم ) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت ، وكذا قوله في الطريق الثانية ( أن أدخل الجدر في البيت ) وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه ، عن مرثد بن شرحبيل ، قال : " سمعت ابن عباس يقول : لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت ، فلم يطف به إن لم يكن من البيت ؟ . وروى الترمذي ، والنسائي من طريق علقمة عن أمه عن عائشة ، قالت : كنت أحب أن أصلي في البيت ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فأدخلني الحجر فقال : صلي فيه ، فإنما هو قطعة من البيت ، ولكن قومك استقصروه حتى بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت . ونحوه لأبي داود من طريق صفية بنت شيبة ، عن عائشة ، ولأبي عوانة من طريق قتادة ، عن عروة ، عن عائشة ، ولأحمد من طريق سعيد بن جبير ، عن عائشة ، وفيه : " أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل ، فقال : ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل . وهذه الروايات كلها مطلقة ، وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة ، منها لمسلم من طريق أبي قزعة ، عن الحارث بن عبد الله ، عن عائشة في حديث الباب : حتى أزيد فيه من الحجر ، وله من وجه آخر عن الحارث عنها : فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه ، فأراها قريبا من سبعة أذرع . وله من طريق سعيد بن ميناء ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة في هذا الحديث : وزدت فيها من الحجر ستة أذرع . وسيأتي في آخر الطريق الرابعة قول يزيد بن رومان الذي رواه عن عروة ، أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع أو نحوها ، ولسفيان بن عيينة في جامعه عن داود بن شابور ، عن مجاهد : " أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر " . وله عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن الزبير : " ستة أذرع وشبر " . وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في [ ص: 519 ] " المعرفة " عنه ، وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة ، وأما رواية عطاء عند مسلم ، عن عائشة مرفوعا : لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع . فهي شاذة ، والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ ، ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه ، وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر ، فتجتمع مع الروايات الأخرى ، فإن الذي عد الفرجة أربعة أذرع وشيء ، ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة : ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع . فيحمل هذا على إلغاء الكسر ، ورواية عطاء على جبره ، ويجمع بين الروايات كلها بذلك ، ولم أر من سبقني إلى ذلك ، وسأذكر ثمرة هذا البحث في آخر الكلام على هذا الحديث .

قوله : ( ألم تري ) أي ألم تعرفي .

قوله : ( قصرت بهم النفقة ) بتشديد الصاد أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره ، ويوضحه ما ذكر ابن إسحاق في " السيرة " عن عبد الله بن أبي نجيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية " أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم - وهو جد جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي - قال لقريش : لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب ، ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس " . وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه ، أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة أدرك ذلك ، فسأله عمر عن بناء الكعبة ، فقال : إن قريشا تقربت لبناء الكعبة - أي بالنفقة الطيبة - فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر ، فقال عمر صدقت .

قوله : ( ليدخلوا ) في رواية المستملي " يدخلوا " بغير لام ، زاد مسلم من طريق الحارث بن عبد الله ، عن عائشة : فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط .

قوله : ( حديث عهدهم ) بتنوين حديث .

قوله : ( بجاهلية ) في رواية الكشميهني بالجاهلية ، وقد تقدم في العلم من طريق الأسود " حديث عهد بكفر " ولأبي عوانة من طريق قتادة ، عن عروة ، عن عائشة : حديث عهد بشرك .

قوله : ( فأخاف أن تنكر قلوبهم ) في رواية شيبان ، عن أشعث " تنفر " بالفاء بدل الكاف ، ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم .

قوله : ( أن أدخل الجدر ) كذا وقع هنا ، وهو مؤول بمعنى المصدر ، أي أخاف إنكار قلوبهم إدخالي الحجر ، وجواب لولا محذوف ، وقد رواه مسلم ، عن سعيد بن منصور ، عن أبي الأحوص بلفظ : فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل . فأثبت جواب لولا ، وكذا أثبته الإسماعيلي من طريق شيبان ، عن أشعث ولفظه : " لنظرت فأدخلته " .

التالي السابق


الخدمات العلمية