صفحة جزء
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما

1591 حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول حج عبد الله رضي الله عنه فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر أرى فأذن وأقام قال عمرو لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة والفجر حين يبزغ الفجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله
قوله : ( باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما ) أي من المغرب والعشاء بالمزدلفة .

قوله : ( زهير ) هو الجعفي ، وأبو إسحاق هو السبيعي وشيخه هو النخعي ، وعبد الله هو ابن مسعود .

قوله : ( حج عبد الله ) في رواية أحمد ، عن حسن بن موسى ، وللنسائي من طريق حسين بن عياش كلاهما عن زهير بالإسناد " حج عبد الله بن مسعود فأمرني علقمة أن الزمه فلزمته فكنت معه " وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب " خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا " .

قوله : ( حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك ) أي من مغيب الشفق .

قوله : ( فأمر رجلا ) لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد فإن في رواية حسن وحسين المذكورتين " فكنت معه فأتينا المزدلفة فلما كان حين طلع الفجر قال قم فقلت له إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها " .

قوله : ( ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام ، قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير ) أرى بضم الهمزة [ ص: 613 ] أي أظن وقد بين عمرو وهو ابن خالد شيخ البخاري فيه أنه من شيخه زهير وأخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى ، عن زهير مثل ما رواه عنه عمرو ولم يقل ما قال عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عمرو ، عن زهير وقال فيه " ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام " وسيأتي بعد باب رواية إسرائيل ، عن أبي إسحاق بأصرح مما قال زهير ولفظه : " ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما " والعشاء بفتح العين ، ورواه ابن خزيمة ، وأحمد من طريق ابن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق بلفظ : " فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم تعشى ثم قام فأذن وأقام وصلى العشاء ثم بات بجمع حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام " ولأحمد من طريق جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق " فصلى بنا المغرب ثم دعا بعشاء فتعشى ثم قام فصلى العشاء ثم رقد " ووقع عند الإسماعيلي من رواية شبابة ، عن ابن أبي ذئب في هذا الحديث " ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها " ولأحمد من رواية زهير " فقلت له إن هذه لساعة ما رأيتك صليت فيها " .

قوله : ( فلما طلع الفجر ) في رواية المستملي ، والكشميهني " فلما حين طلع الفجر " وفي رواية الحسين بن عياش ، عن زهير " فلما كان حين طلع الفجر " .

قوله : ( قال عبد الله ) هو ابن مسعود .

قوله : ( عن وقتهما ) كذا للأكثر وفي رواية السرخسي " عن وقتها " بالإفراد وسيأتي في رواية إسرائيل بعد باب رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : ( حين يبزغ ) بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع .

وفي هذا الحديث مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما قال ابن حزم : لم نجده مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو ثبت عنه لقلت به . ثم أخرج من طريق عبد الرزاق ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق في هذا الحديث : قال أبو إسحاق فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي فقال : أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع . قال ابن حزم : وقد روي عن عمر من فعله ، قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتى له ذلك في حق عمر - لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم - لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري . وروى ابن عبد البر ، عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روى عن أهل المدينة وهو مرفوع . قال ابن عبد البر : وأعجب أنا من الكوفيين حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووا في ذلك عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا . قلت : الجواب عن ذلك أن مالكا اعتمد على صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في : " الموطأ " واختار الطحاوي ما جاء عن جابر يعني في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون ، وابن حزم وقواه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وقال الشافعي في الجديد والثوري وهو رواية عن أحمد : يجمع بينهما بإقامتين فقط وهو ظاهر حديث أسامة الماضي [ ص: 614 ] قريبا حيث قال " فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء " وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحاوي وغيره وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان وهو المشهور عن أحمد واستدل بحديث ابن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين لمن أراد الجمع بينهما لكون ابن مسعود تعشى بين الصلاتين ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع ، وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أنه وقت هذه المغرب خاصة ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويا للجمع ويحتمل قوله " تحول عن وقتها " أي المعتاد وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فعلها فيه في الحضر ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها ، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسرائيل الآتية حيث قال " ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع " واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع لقول ابن مسعود : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين . وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر ، وأنس ، وابن عباس وغيرهم وتقدم في موضعه بما فيه كفاية وأيضا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية