صفحة جزء
باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام

1603 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا أبو جمرة قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم قال وكأن ناسا كرهوها فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فحدثته فقال الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم قال وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة متقبلة وحج مبرور
[ ص: 624 ] قوله : باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - إلى قوله تعالى - حاضري المسجد الحرام كذا في رواية أبي ذر ، وأبي الوقت ، وساق في طريق كريمة ما بين قوله : ( الهدي ) وقوله : ( حاضري المسجد الحرام ) وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر لأن ذلك يكون غالبا بمنى . والمراد بقوله : فمن تمتع أي في حال الأمن لقوله : فإذا أمنتم فمن تمتع وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر ، وروى الطبري ، عن عروة قال في قوله : فإذا أمنتم أي من الوجع ونحوه . قال الطبري : والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم ما يعملون حال الحصر وما يعملون حال الأمن .

قوله : ( أخبرنا النضر ) هو ابن شميل صاحب العربية .

قوله : ( أبو جمرة ) بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر " باب التمتع والقران " وقد تقدم الكلام عليه هناك والغرض منه هنا بيان الهدي .

قوله : ( وسألته ) أي ابن عباس .

قوله : ( عن الهدي ) فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم .

قوله : ( جزور ) بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير ذكرا كان أو أنثى وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور .

قوله : ( أو شرك ) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة ، وهذا موافق لما رواه مسلم ، عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة : وبهذا قال الشافعي والجمهور سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم ، وعنأبي حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي ، وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة ، وعن داود وبعض المالكية يجوز في هدي التطوع دون الواجب ، وعن مالك لا يجوز مطلقا ، واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين ، وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه فرووا [ ص: 625 ] عنه أن ما استيسر من الهدي شاة ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن عباس قال : وقد روى ليث عن طاوس ، عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة ، وليث ضعيف . قال : وحدثنا سليمان ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال " ما كنت أرى أن دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد " . انتهى . وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة ، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا . وأما رواية محمد ، عن ابن عباس فمنقطعة ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبره أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة وبهذا تجتمع الأخبار وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته وهو أبو جمرة الضبعي . وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة . قال أحمد : حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد ، عن الشعبي قال : سألت ابن عمر قلت : الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة ؟ قال : يا شعبي ولها سبعة أنفس ؟ قال قلت : فإن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة . قال فقال ابن عمر لرجل : أكذلك يا فلان ؟ قال : نعم . قال : ما شعرت بهذا : . وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية فلا يدفع الاحتجاج بالحديث ، بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال : فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية . وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك ، واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال : تجزئ عن عشرة وبه قال إسحاق بن راهويه ، وابن خزيمة من الشافعية واحتج لذلك في صحيحه وقواه واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج : أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير . الحديث وهو في الصحيحين وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها وقوله : " أو شاة " هو قول الجمهور ورواه الطبري ، وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر ، ووافقهما القاسم وطائفة . قال إسماعيل القاضي في : " الأحكام " له : أظنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن ، قال : ويرد هذا قوله تعالى هديا بالغ الكعبة وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها اسم هدي . قلت : قد احتج بذلك ابن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال ابن عباس : الهدي شاة . فقيل له في ذلك ، فقال : أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقوون به ، ما في الظبي ؟ قالوا شاة . قال : فإن الله تعالى يقول هديا بالغ الكعبة .

قوله : ( ومتعة متقبلة ) قال الإسماعيلي وغيره : تفرد النضر بقوله " متعة " ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال " عمرة " وقال أبو نعيم : قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة . قلت : وقد أشار المصنف إلى هذا بما علقه بعد .

[ ص: 626 ] قوله : ( وقال آدم ، ووهب بن جرير ، وغندر ، عن شعبة عمرة إلخ ) أما طريق آدم فوصلها عنه في : " باب التمتع والقران " وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب ، وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه ، وأخرجها مسلم ، عن أبي موسى ، وبندار كلاهما عن غندر .

التالي السابق


الخدمات العلمية