صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العمرة باب وجوب العمرة وفضلها وقال ابن عمر رضي الله عنهما ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله

1683 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
[ ص: 698 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم . أبواب العمرة . باب وجوب العمرة وفضلها ) سقطت البسملة لأبي ذر ، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي ، وسقط عنده عن غيره " أبواب العمرة " وثبت لأبي نعيم في المستخرج " كتاب العمرة " وللأصيلي وكريمة " باب العمرة وفضلها " حسب . والعمرة في اللغة الزيارة ، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام ، وجزم المصنف بوجوب العمرة ، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي ، وأحمد وغيرهما من أهل الأثر ، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية ، واستدلوا بما رواه الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر : أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال : لا ، وأن تعتمر خير لك . أخرجه الترمذي ، والحجاج ضعيف . وقد روى ابن لهيعة ، عن عطاء ، عن جابر مرفوعا : الحج والعمرة فريضتان . أخرجه ابن عدي ، وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء ، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر " ليس مسلم إلا عليه عمرة " موقوف على جابر ، واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب وبقول صبي بن معبد ، لعمر " رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما . فقال له : هديت لسنة نبيك . أخرجه أبو داود . وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه " وأن تحج وتعتمر . وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه ، [ ص: 699 ] وبأحاديث أخر غير ما ذكر ، وبقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أي أقيموهما . وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر " العمرة واجبة " أي وجوب كفاية ، ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره ، وذهب ابن عباس ، وعطاء ، وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم .

قوله : ( وقال ابن عمر ) هذا التعليق وصله ابن خزيمة ، والدارقطني ، والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول " ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا ، فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع " وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب ، عن نافع عن ابن عمر قال " الحج والعمرة فريضتان " .

قوله : ( وقال ابن عباس ) هذا التعليق وصله الشافعي ، وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول " والله إنها لقرينتها في كتاب الله : وأتموا الحج والعمرة لله " وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس " الحج والعمرة فريضتان " وإسناده ضعيف ، والضمير في قوله " لقرينتها " للفريضة وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج .

قوله : ( عن سمي ) قال ابن عبد البر : تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك ، والسفيانان وغيرهما حتى إن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي ، عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه ، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح .

قوله : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال : وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك ، ثم بالغ في الإنكار عليه ، وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك أوائل مواقيت الصلاة . واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة ؟ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها ، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد ، فتغايرا من هذه الحيثية . وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل ، بخلاف الشق الآخر وهو فضلها فإنه واضح ، وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد . وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس " إنها لقرينتها في كتاب الله " وأما إذا اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد ، وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج . ووقع عند أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا : الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . قيل يا رسول الله ، : ما بر الحج ؟ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام . ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج ، ويستفاد من حديث ابن مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة ، وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم ، واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة ، وأفعاله على الوجوب أو الندب ، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله ، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة [ ص: 700 ] وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد . واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج ، إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ، ونقل الأثرم ، عن أحمد : إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر ، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها ، قال ابن قدامة : هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام ، وقال ابن التين : قوله " العمرة إلى العمرة " يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما ، وفي الحديث أيضا إشارة إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية