صفحة جزء
باب عمرة في رمضان

1690 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجين معنا قالت كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه قال فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة أو نحوا مما قال
قوله : ( باب عمرة في رمضان ) كذا في جميع النسخ ولم يصرح في الترجمة بفضيلة ولا غيرها ، ولعله أشار إلى ما روي عن عائشة قالت : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان ، فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت . الحديث أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن زهير ، عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عنها وقال إن إسناده حسن . وقال صاحب الهدي : إنه غلط لأن النبي [ ص: 706 ] صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان . قلت : ويمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان ، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من الجعرانة لكن في ذي القعدة كما تقدم بيانه قريبا ، وقد رواه الدارقطني بإسناد آخر إلى العلاء بن زهير فلم يقل في الإسناد عن أبيه ولا قال فيه في رمضان .

قوله : ( حدثنا يحيى ) هو القطان ، وقوله ( عن عطاء ) في رواية مسلم ، عن محمد بن حاتم ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج " أخبرني عطاء " .

قوله : ( لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) القائل نسيت اسمها ابن جريج ، بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء ، وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في : " باب حج النساء " من طريق حبيب المعلم ، عن عطاء فسماها ولفظه : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية : ما منعك من الحج . الحديث ، ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكرا له لما حدث به حبيبا ، وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال : جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : حج أبو طلحة وابنه وتركاني . فقال : يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي . أخرجه ابن حبان ، وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة ، وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال " عن عطاء عن أم سليم " فذكر الحديث دون القصة ، فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ ، فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي ، لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح " عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج " فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها ، وقد اختلف في صحابية على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في : " باب حج النساء " ، وقد وقع شبيه بهذه القصة لأم معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث " عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت : أردت الحج فاعتل بعيري ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة . وقد اختلف في إسناده فرواه مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال " جاءت امرأة " فذكره مرسلا وأبهمها ، ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي معقل ، ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل ، والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين ، فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت : لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله ، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال . ما منعك أن تحجي معنا ؟ فذكرت ذلك له ، قال : فهلا حججت عليه ، فإن الحج من سبيل الله ، فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة . ووقعت لأم طليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن ، وابن منده في : " الصحابة " والدولابي في : " الكنى " من طريق طلق بن حبيب " أن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له - وله جمل وناقة - أعطني جملك أحج عليه ، قال : جملي حبيس في سبيل الله ، قالت : إنه في سبيل الله أن أحج عليه " فذكر الحديث وفيه [ ص: 707 ] " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق . وفيه : ما يعدل الحج قال عمرة في رمضان . وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان ، وفيه نظر لأن أبا معقل مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين فدل على تغاير المرأتين ، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا ، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في حديث غيره ، ولقوله في حديث ابن عباس أنها أنصارية ، وأما أم معقل فإنها أسدية ، ووقعت لأم الهيثم أيضا ، والله أعلم .

قوله : ( أن تحجي ) في رواية كريمة والأصيلي " أن تحجين " بزيادة النون وهي لغة .

قوله : ( ناضح ) بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير ، قال ابن بطال : الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه ، لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا ، وفي رواية حبيب المذكورة " وكان لنا ناضحان " وهي أبين ، وفي رواية مسلم من طريق حبيب " كانا لأبي فلان زوجها " .

قوله : ( وابنه ) إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا ، وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس ، وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا .

قوله : ( ننضح عليه ) بكسر الضاد .

قوله : ( فإذا كان رمضان ) بالرفع وكان تامة وفي رواية الكشميهني " فإذا كان في رمضان " .

قوله : ( فإن عمرة في رمضان حجة ) وفي رواية مسلم " فإن عمرة فيه تعدل حجة " ولعل هذا هو السبب في قول المصنف " أو نحوا مما قال " قال ابن خزيمة : في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها ، لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر . وقال ابن بطال : فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة . وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع ، قال : وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا ، لأن حج أبي بكر كان إنذارا . قال : فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج . قلت : وما قاله غير مسلم ، إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك ، لكنه بنى على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور . وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال . فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض ، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض . ونقل الترمذي ، عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن . وقال ابن العربي : حديث العمرة هذا صحيح ، وهو فضل من الله ونعمة ، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها . وقال ابن الجوزي : فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد . وقال غيره : يحتمل أن يكون المراد " عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة . وقال ابن التين : قوله " كحجة " يحتمل أن يكون على بابه ، [ ص: 708 ] ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ، ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة . قلت : الثالث قال به بعض المتقدمين ، ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير : ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها . ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها " قال فكانت تقول : الحج حجة والعمرة عمرة ، وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ، فما أدري ألي خاصة " تعني أو للناس عامة . انتهى . والظاهر حمله على العموم كما تقدم . والسبب في التوقف استشكال ظاهره ، وقد صح جوابه ، والله أعلم .

( فصل ) لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم ، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب ، فأيهما أفضل ؟ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل ، لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه ، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل ، وهو لو كان مكروها لغيره لكان في حقه أفضل ، والله أعلم . وقال صاحب " الهدي " : يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة ، وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم ، وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفا من المشقة عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية