صفحة جزء
باب عمرة التنعيم

1692 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو سمع عمرو بن أوس أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم قال سفيان مرة سمعت عمرا كم سمعته من عمرو
قوله : ( باب عمرة التنعيم يعني هل تتعين لمن كان بمكة أم لا ) يعني هل تتعين لمن كان بمكة أم لا ؟ وإذا لم تتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا ؟ قال صاحب " الهدي " لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ، ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ، ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها . انتهى . وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته . واختلف السلف في جواز الاعتمار في السنة أكثر من مرة ، فكرهه مالك ، وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور ، [ ص: 710 ] واستثنى أبو حنيفة يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ، ووافقه أبو يوسف إلا في يوم عرفة ، واستثنى الشافعي البائت بمنى لرمي أيام التشريق ، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله أعلم . واختلفوا أيضا هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة ؟ فروى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال " بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم " ومن طريق عطاء قال : من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها ، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أي ميقاتا من مواقيت الحج . قال الطحاوي : ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج . وخالفهم آخرون فقالوا : ميقات العمرة الحل وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة . ثم روي من طريق ابن أبي مليكة ، عن عائشة في حديثها قالت : وكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه . قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل ، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء .

قوله : ( عن عمرو ) هو ابن دينار .

قوله : ( سمع عمرو بن أوس ) يعني أنه سمع ، ولفظ " أنه " مما يحذف من الإسناد خطأ في الغالب كما تحذف إحدى لفظتي " قال " . وقد بين سفيان سماعه له من عمرو بن دينار في آخره . ووقع عن الحميدي ، عن سفيان " حدثنا عمرو بن دينار " قال سفيان : هذا مما يعجب شعبة ، يعني التصريح بالإخبار في جميع الإسناد .

قوله : ( ويعمرها من التنعيم ) معطوف على قوله " أمره أن يردف " وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم . وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم . الحديث ، ونحوه رواية مالك السابقة في أوائل الحج عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم . ورواية الأسود ، عن عائشة السابقة في أواخر الحج " قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم " وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن الأسود ، والقاسم جميعا عنها بلفظ " فاخرجي إلى التنعيم " ، وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك يفسر قوله في رواية القاسم عنها السابقة في أوائل الحج حيث أورده بلفظ " اخرج بأختك من الحرم " . وأما ما رواه أحمد من طريق ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث قال : ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : احملها خلفك حتى تخرج من الحرم ، فوالله ما قال فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم . فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخراز الراوي له عن ابن أبي مليكة ، ويحتمل أن يكون قوله " فوالله إلخ " من كلام من دون عائشة قاله متمسكا بإطلاق قوله " فأخرجها من الحرم " لكن الروايات المقيدة بالتنعيم مقدمة على المطلقة فهو أولى ولا سيما مع صحة ، أسانيدها والله أعلم .

( فائدة ) : زاد أبو داود في روايته بعد قوله " إلى التنعيم " : " فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة " وزاد أحمد في رواية له " وذلك ليلة الصدر " وهو بفتح المهملة والدال أي الرجوع [ ص: 711 ] من منى ، وفي قوله " فإذا هبطت بها " إشارة إلى المكان الذي أحرمت منه عائشة . والتنعيم بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة ، وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي ، وقال المحب الطبري : التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل ، وليس بطرف الحل بل بينهما نحو من ميل ، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز . قلت : أو أراد بالنسبة إلى بقية الجهات . وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال : إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم ، والذي عن اليسار يقال له منعم ، والوادي نعمان . وروى الأزرقي من طريق ابن جريج قال : رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة ، وهو المسجد الخرب . ونقل الفاكهي ، عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت منه عائشة ، وقيل هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء ، ورجحه المحب الطبري . وقال الفاكهي : لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم .

وفي هذا الحديث جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا ، وإرداف المحرم محرمه معه . واستدل به على تعين الخروج إلى الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة ، وهو أحد قولي العلماء ، والثاني تصح العمرة ويجب عليه دم لترك الميقات ، وليس في حديث الباب ما يدفع ذلك ، واستدل به على أن أفضل جهات الحل التنعيم ، وتعقب بأن إحرام عائشة من التنعيم إنما وقع لكونه أقرب جهة الحل إلى الحرم ، لا أنه الأفضل ، وسيأتي إيضاح هذا في : " باب أجر العمرة على قدر التعب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية