صفحة جزء
باب الإحصار في الحج

1715 حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني سالم قال كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري قال حدثني سالم عن ابن عمر نحوه
قوله : ( باب الإحصار في الحج ) قال ابن المنير في الحاشية : أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما وقع في العمرة ، فقاس العلماء الحج على ذلك ، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة . قلت : وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله : " سنة نبيكم " قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار ؛ لأن الذي وقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإحصار عن العمرة ، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله : " سنة نبيكم " وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق من لم يحصل >[1] له ذلك وهو حاج ، والله أعلم .

قوله : ( أخبرنا عبد الله ) هو ابن المبارك ، ويونس هو ابن يزيد ، وقد عقب المصنف هذا الحديث بأن قال : " وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه " وهو معطوف على الإسناد الأول ، فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس ، وتارة عن معمر ، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم . وقد أخرجه الترمذي ، عن أبي كريب عن ابن المبارك ، عن معمر ، ولفظه : " أنه كان ينكر الاشتراط ويقول : أليس حسبكم سنة نبيكم " وهكذا أخرجه الدارقطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ، ومن طريق أحمد بن منيع وغيره ، كلهم عن ابن المبارك ، وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر ، وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه ، وكذا أخرجه النسائي ، وأما إنكار ابن [ ص: 12 ] عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا ، إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه ، فأخرجه البيهقي من طريق السراج ، ، عن أبي كريب ، عن ابن المبارك ، ، عن يونس ، وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب ، عن يونس ، وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس .

قال البيهقي : لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به ، وقد أخرجه الشافعي عن ابن عيينة ، ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بضباعة بنت الزبير فقال : أما تريدين الحج؟ فقالت : إني شاكية . فقال لها : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال الشافعي : لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره ، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال البيهقي : قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه ، وقال : وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة . قال : وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام . ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال : أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة . قلت : وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج ، بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا إثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر .

وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد ، عن عبد الرزاق ، ومسلم من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام والزهري فرقهما ، كلاهما عن عروة عن عائشة . ولقصة ضباعة شواهد منها حديث ابن عباس : أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني امرأة ثقيلة - أي : في الضعف - ، وإني أريد الحج ، فما تأمرني؟ قال : أهلي بالحج ، واشترطي أن محلي حيث تحبسني . قال : فأدركت أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من طرق عن ابن عباس .

قال الترمذي : وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر . قلت : وعن ضباعة نفسها وعن سعدى بنت عوف وأسانيدها كلها قوية . وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة ، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر ، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية ، وحكى عياض عن الأصيلي قال : لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح ، قال عياض : وقد قال النسائي : لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر . وتعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش ؛ لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة ، انتهى . وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق ؛ لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد ، كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة .

قوله : ( أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن حبس أحدكم عن الحج طاف ) قال عياض : ضبطناه " سنة " بالنصب على الاختصاص ، أو على إضمار فعل ، أي : " تمسكوا " وشبهه . وخبر " حسبكم " في قوله : " طاف بالبيت " ويصح الرفع على أن " سنة " خبر " حسبكم " ، أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ، ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة . وقال السهيلي : من نصب " سنة " فإنه بإضمار الأمر ، كأنه قال : الزموا سنة نبيكم ، وقد قدمت البحث فيه .

قوله : ( طاف بالبيت ) أي : إذا أمكنه ذلك . وقد وقع في رواية عبد الرزاق : إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به الحديث . والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال : [ ص: 13 ] أحدها مشروعيته ، ثم اختلف من قال به فقيل : واجب ؛ لظاهر الأمر . وهو قول الظاهرية . وقيل : مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره ، وقيل : جائز ، وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد .

والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به ، وبذلك جزم الترمذي عنه ، وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث ، وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث . والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة ، منها : أنه خاص بضباعة ، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية . قال النووي : وهو تأويل باطل . وقيل : معناه محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي . حكاه إمام الحرمين ، وأنكره النووي ، وقال : إنه ظاهر الفساد . وقيل : إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج . حكاه المحب الطبري . وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم . وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه ، وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية