صفحة جزء
باب حج النساء

1761 و قال لي أحمد بن محمد هو الأزرقي حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف
[ ص: 87 ] قوله : ( باب حج النساء ) أي : هل يشترط فيه قدر زائد على حج الرجال أو لا؟ ثم أورد المصنف فيه عدة أحاديث .

قوله : ( وقال لي أحمد بن محمد ، حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده قال أذن عمر ) أي : ابن الخطاب ( لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن ) كذا أورده مختصرا ، ولم يستخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ، ونقل الحميدي عن البرقاني أن إبراهيم ، هو ابن عبد الرحمن بن عوف . قال الحميدي : وفيه نظر ، ولم يذكره أبو مسعود . انتهى . والحديث معروف ، وقد ساقه ابن سعد والبيهقي مطولا ، وجعل مغلطاي تنظير الحميدي راجعا إلى نسبة إبراهيم فقال مراد البرقاني بإبراهيم جد إبراهيم المبهم في رواية البخاري ، فظن الحميدي أنه عين إبراهيم الأول ، وليس كذلك بل هو جده ؛ لأنه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف .

وقوله : " وقال لي أحمد بن محمد " أي : ابن الوليد الأزرقي ، وقوله : " أذن عمر " ظاهره أنه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عمر ومن ذكر معه ، وإدراكه لذلك ممكن ؛ لأن عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين ، وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن أبي شيبة وغيره ، لكن روى ابن سعد هذا الحديث عن الواقدي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال : " أرسلني عمر " لكن الواقدي لا يحتج به ، فقد رواه البيهقي من طريق عبدان وابن سعد أيضا عن الوليد بن عطاء بن الأغر المكي كلاهما عن إبراهيم بن سعد مثل ما قال الأزرقي ، ويحتمل أن يكون إبراهيم حفظ أصل القصة وحمل تفاصيلها عن أبيه ، فلا تتخالف الروايتان ، ولعل هذا هو النكتة في اقتصار البخاري على أصل القصة دون بقيتها .

قوله : ( وعبد الرحمن ) زاد عبدان : " عبد الرحمن بن عوف " وكان عثمان ينادي : ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن ، وهن في الهوادج على الإبل ، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد ، ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب " وفي رواية لابن سعد " فكان عثمان يسير أمامهن وعبد الرحمن خلفهن " وفي رواية له : " وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر " في إسناده الواقدي ، وروى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي قال : " رأيت نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة " أي : ابن شعبة ، والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية ، وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها .

ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد الخزاعية قالت : [ ص: 88 ] " رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلن بقديد ، فدخلت عليهن وهن ثمان " وله من حديث عائشة " أنهن استأذن عثمان في الحج فقال : أنا أحج بكن ، فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت ، وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - " وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنسائه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة : " فكن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ، إلا سودة وزينب فقالا : لا تحركنا دابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وإسناد حديث أبي واقد صحيح .

وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل ، وهو إقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل ، والعذر عن عائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها على أن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة ، وتأيد ذلك عندها بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة " ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب ، وكأن عمر - رضي الله عنه - كان متوقفا في ذلك ، ثم ظهر له الجواز فأذن لهن ، وتبعه على ذلك من ذكر من الصحابة ، ومن في عصره من غير نكير .

وروى ابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال : " منع عمر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج والعمرة " ومن طريق أم درة عن عائشة قالت : " منعنا عمر الحج والعمرة ، حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا " وهو موافق لحديث الباب ، وفيه زيادة على ما في مرسل أبي جعفر ، وهو محمول على ما ذكرناه . واستدل به على جواز حج المرأة بغير محرم ، وسيأتي البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث .

( تكملة ) : روى عمر بن شبة هذا الحديث عن سليمان بن داود الهاشمي عن إبراهيم بن سعد بإسناد آخر فقال : " عن الزهري ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة ، عن أم كلثوم بنت أبي بكر ، عن عائشة ، أن عمر أذن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فحججن في آخر حجة حجها عمر ، فلما ارتحل عمر من الحصبة من آخر الليل أقبل رجل فسلم وقال : أين كان أمير المؤمنين ينزل؟ فقال له قائل وأنا أسمع : هذا كان منزله . فأناخ في منزل عمر ، ثم رفع عقيرته يتغنى :


عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق



الأبيات .

قالت عائشة : فقلت لهم : اعلموا لي علم هذا الرجل . فذهبوا فلم يروا أحدا ، فكانت عائشة تقول : " إني لأحسبه من الجن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية