صفحة جزء
باب متى يحل فطر الصائم وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس

1853 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة قال سمعت أبي يقول سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم
[ ص: 231 ] قوله : ( باب : متى يحل فطر الصائم ) غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار أم لا؟ وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني لذكره لأثر أبي سعيد في الترجمة ، لكن محله إذا ما حصل تحقق غروب الشمس .

قوله : ( وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس ) وصله سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال : " دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب " ووجه الدلالة منه أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك ، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك ، والله أعلم . ثم ذكر المصنف في الباب حديثين .

قوله : ( حدثنا سفيان ) هو ابن عيينة ، والإسناد كله حجازيون : الحميدي وسفيان مكيان ، والباقون مدنيون . وفيه رواية الأبناء عن الآباء ، ورواية تابعي صغير عن تابعي كبير : هشام عن أبيه ، وصحابي صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه ، وكان مولد عاصم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لم يسمع منه شيئا .

قوله : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام " قال لي " .

قوله : ( إذا أقبل الليل من هاهنا ) أي : من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه ، والمراد به وجود الظلمة حسا ، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور ؛ لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في [ ص: 232 ] الظاهر غير متلازمة ، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس ، وكذلك إدبار النهار ، فمن ثم قيد بقوله : " وغربت الشمس " إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار ، وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر ، ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني ، فيحتمل أن ينزل على حالين : أما حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلا ، وأما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو ، ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر ، وإنما ذكر الإقبال والإدبار معا لإمكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب ، قاله القاضي عياض . وقال شيخنا في " شرح الترمذي " : الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة ؛ لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما ، ويؤيده الاقتصار في رواية ابن أبي أوفى على إقبال الليل

قوله : ( فقد أفطر الصائم ) أي : دخل في وقت الفطر كما يقال : أنجد ، إذا أقام بنجد ، وأتهم إذا أقام بتهامة . ويحتمل أن يكون معناه : فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس طرفا للصيام الشرعي ، وقد رد ابن خزيمة هذا الاحتمال ، وأومأ إلى ترجيح الأول فقال : قوله : " فقد أفطر الصائم " لفظ خبر ، ومعناه الأمر ، أي : فليفطر الصائم ، ولو كان المراد فقد صار مفطرا كان فطر جميع الصوام واحدا ، ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى ا هـ . وقد يجاب بأن المراد فعل الإفطار حسا ليوافق الأمر الشرعي ، ولا شك أن الأول أرجح ، ولو كان الثاني معتمدا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئا ، ويمكن الانفصال عن ذلك بأن الأيمان مبنية على العرف ، وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذه الواقعة بعينها ، ومثل هذا لو قال : إن أفطرت فأنت طالق . فصادف يوم العيد لم تطلق حتى يتناول ما يفطر به ، وقد ارتكب بعضهم الشطط فقال : يحنث ، ويرجح الأول أيضا رواية شعبة أيضا بلفظ : " فقد حل الإفطار " وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري عن الشيباني ، وسيأتي لذلك مزيد بيان في " باب الوصال " بعد ثلاثة أبواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية