صفحة جزء
باب الصوم من آخر الشهر

1882 حدثنا الصلت بن محمد حدثنا مهدي عن غيلان ح وحدثنا أبو النعمان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر قال أظنه قال يعني رمضان قال الرجل لا يا رسول الله قال فإذا أفطرت فصم يومين لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم من سرر شعبان
[ ص: 271 ] قوله : ( باب الصوم من آخر الشهر ) قال الزين بن المنير : أطلق الشهر ، وإن كان الذي يتحرر من الحديث أن المراد به شهر مقيد وهو شعبان ؛ إشارة منه إلى أن ذلك لا يختص بشعبان ، بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين لقوله فيه : إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه "

قوله : ( حدثنا الصلت بن محمد ) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها مثناة ، بصري مشهور ، وأضاف إليه رواية أبي النعمان وهو عارم لما وقع فيها من تصريح مهدي بالتحديث من غيلان ، والإسناد كله بصريون .

قوله : ( عن مطرف ) هو ابن عبد الله بن الشخير .

قوله : ( أنه سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع ) هذا شك من مطرف فإن ثابتا رواه عنه بنحوه على الشك أيضا أخرجه مسلم ، وأخرجه من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام " أنه قال لرجل " زاد أبو عوانة في " مستخرجه : " من أصحابه " ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي به " قال لعمران " بغير شك .

قوله : ( يا فلان ) كذا للأكثر ، وفي نسخة من رواية أبي ذر " يا أبا فلان " بأداة الكنية .

قوله : ( أما صمت سرر هذا الشهر ) في رواية مسلم عن شيبان عن مهدي " سره " بضم المهملة وتشديد الراء بعدها هاء ، قال النووي تبعا لابن قرقول : كذا هو في جميع النسخ . انتهى . والذي رأيته في رواية أبي بكر بن ياسر الجياني ومن خطه نقلت " سرر هذا الشهر " كباقي الروايات ، وفي رواية ثابت المذكورة " أصمت من سرر شعبان شيئا؟ قال : لا " .

قوله : ( قال : أظنه قال : يعني رمضان ) هذا الظن من أبي النعمان ، لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية أبي الصلت ، وكأن ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري ، وإلا فقد رواه الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك وهو الصواب ، ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال : إن شعبان أصح ، وقيل : إن ذلك ثابت في بعض الروايات في " الصحيح " ، وقال الخطابي : ذكر رمضان هنا وهم ؛ لأن رمضان يتعين صوم جميعه ، وكذا قال الداودي وابن الجوزي ، ورواه مسلم أيضا من طريق ابن أخي مطرف عن مطرف بلفظ : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا " يعني : شعبان ، ولم يقع ذلك في رواية هدبة ولا عبد الله بن محمد بن أسماء ولا قطر بن حماد ولا عفان ولا عبد الصمد ولا غيرهم عند أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم ولا في باقي الروايات عند مسلم ، ويحتمل أن يكون قوله " رمضان " في قوله : " يعني : رمضان " ظرفا للقول الصادر منه - صلى الله عليه وسلم - لا لصيام المخاطب بذلك ، فيوافق رواية الجريري عن مطرف فإن فيها عند مسلم " فقال له : فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه "

قوله : ( وقال ثابت . . . إلخ ) وصله أحمد ومسلم من طريق حماد بن سلمة عنه كذلك ، ووقع في نسخة [ ص: 272 ] الصغاني من الزيادة هنا " قال أبو عبد الله : وشعبان أصح " و " السرر " بفتح السين المهملة ، ويجوز كسرها وضمها جمع سرة ويقال أيضا : " سرار " بفتح أوله وكسره ، ورجح الفراء الفتح ، وهو من الاستسرار ، قال أبو عبيد والجمهور : المراد بالسرر هنا آخر الشهر ، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين .

ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله ، ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور ، وقيل : السرر وسط الشهر . حكاه أبو داود أيضا ورجحه بعضهم ، ووجهه بأن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه ، ويؤيده الندب إلى صيام البيض ، وهي وسط الشهر ، وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب ، بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان ، ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض ، وهي وسط الشهر كما تقدم ، لكن لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره وهو " سرة " بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ : " سرار " وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها سرر وفي بعضها سرار ، وهذا يدل على أن المراد آخر الشهر ، قال الخطابي قال بعض أهل العلم : سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك سؤال زجر وإنكار ؛ لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين ، وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضاء ذلك ، وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك في شوال . انتهى . وقال ابن المنير في الحاشية : قوله : " سؤال إنكار " فيه تكلف ، ويدفع في صدره قول المسئول : " لا يا رسول الله " فلو كان سؤال إنكار لكان - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر عليه أنه صام ، والفرض أن الرجل لم يصم ، فكيف ينكر عليه فعل ما لم يفعله؟ ويحتمل أن يكون الرجل كانت له عادة بصيام آخر الشهر ، فلما سمع نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتقدم أحد رمضان بصوم يوم أو يومين ولم يبلغه الاستثناء ترك صيام ما كان اعتاده من ذلك فأمره بقضائها لتستمر محافظته على ما وظف على نفسه من العبادة ؛ لأن أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه كما تقدم . وقال ابن التين : يحتمل أن يكون هذا كلاما جرى من النبي - صلى الله عليه وسلم - جوابا لكلام لم ينقل إلينا ا هـ .

ولا يخفى ضعف هذا المأخذ . وقال آخرون : فيه دليل على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد به التحري لأجل رمضان ، وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي ، ولو لم يكن اعتاده ، وهو خلاف ظاهر حديث النهي ؛ لأنه لم يستثن منه إلا من كانت له عادة ، وأشار القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره - وهو آخر الشهر - الفرار من المعارضة ؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تقدم رمضان بيوم أو يومين ، وقال : الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ، وحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع ، قال : وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وأن صوم يوم منه يعدل صوم يومين في غيره أخذا من قوله في الحديث " فصم يومين مكانه " يعني : مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان .

قلت : وهذا لا يتم إلا إن كانت عادة المخاطب بذلك أن يصوم من شعبان يوما واحدا ، وإلا فقوله : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا " أعم من أن يكون عادته صيام يوم منه أو أكثر ، نعم وقع في سنن أبي مسلم الكجي " فصم مكان ذلك اليوم يومين " وفي الحديث مشروعية قضاء التطوع ، وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطريق الأولى ، خلافا لمن منع ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية