صفحة جزء
باب اعتكاف النساء

1928 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال ما هذا فأخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألبر ترون بهن فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال
قوله : ( باب اعتكاف النساء ) أي : ما حكمه وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد ، الذي تصلى فيه الجماعة ، واحتج بحديث الباب ، فإنه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها ؛ لأنها تتعرض لكثرة من يراها ، وقال ابن عبد البر : لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث - أي : حديث الباب - أنهن استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاعتكاف لقطعت بأن اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز . انتهى . وشرط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها ، وفي رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها وبه قال أحمد .

قوله : ( حدثنا يحيى ) هو ابن سعيد الأنصاري ، ونسبه خلف بن هشام في روايته عن حماد بن زيد عند الإسماعيلي .

قوله : ( عن عمرة ) في رواية الأوزاعي الآتية في أواخر الاعتكاف عن يحيى بن سعيد " حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن "

قوله : ( عن عائشة ) في رواية أبي عوانة من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن عمرة " حدثتني عائشة " .

قوله : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء ) أي : بكسر المعجمة ثم موحدة ، وقوله : " فيصلي الصبح ثم يدخله " وفي رواية ابن فضيل عن يحيى بن سعيد الآتية في باب الاعتكاف في شوال " كان يعتكف في كل رمضان ، فإذا صلى الغداة دخل " واستدل بهذا على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار ، وسيأتي نقل الخلاف فيه .

[ ص: 324 ] قوله : ( فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء ) في رواية الأوزاعي المذكورة : " فاستأذنته عائشة فأذن لها ، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت " وفي رواية ابن فضيل المذكورة : " فاستأذنت عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة ، فسمعت بها حفصة فضربت قبة " زاد في رواية عمرو بن الحارث : " لتعتكف معه " وهذا يشعر بأنها فعلت ذلك بغير إذن ، لكن رواية ابن عيينة عند النسائي : " ثم استأذنته حفصة فأذن لها " وقد ظهر من رواية حماد والأوزاعي أن ذلك كان على لسان عائشة .

قوله : ( فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر ) وفي رواية ابن فضيل : " وسمعت بها زينب فضربت قبة أخرى " وفي رواية عمرو بن الحارث : " فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورا " ولم أقف في شيء من الطرق أن زينب استأذنت ، وكأن هذا هو أحد ما بعث على الإنكار الآتي .

قوله : ( فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأخبية ) في رواية مالك التي بعد هذه : " فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية " وفي رواية ابن فضيل : " فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب " يعني : قبة له وثلاثا للثلاثة ، وفي رواية الأوزاعي : " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى بنائه الذي بني له ليعتكف فيه " ووقع في رواية أبي معاوية عند مسلم وأبي داود : " فأمرت زينب بخبائها فضرب ، وأمر غيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبائها فضرب " وهذا يقتضي تعميم الأزواج بذلك وليس كذلك ، وقد فسرت " الأزواج " في الروايات الأخرى بعائشة وحفصة وزينب فقط ، وبين ذلك قوله في هذه الرواية : " أربع قباب " وفي رواية ابن عيينة عند النسائي : " فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية ، قال : لمن هذه؟ قالوا لعائشة وحفصة وزينب " .

قوله : ( آلبر ) بهمزة استفهام ممدودة وبغير مد ، " وآلبر " بالنصب ، وقوله : " ترون بهن " بضم أوله أي : تظنون ، وفي رواية مالك " آلبر تقولون بهن " أي : تظنون ، والقول يطلق على الظن قال الأعشى :


أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول الدار تجمعنا

أي : تظن ، ووقع في رواية الأوزاعي : " آلبر أردن بهذا " وفي رواية ابن عيينة : " آلبر تقولون يردن بهذا " والخطاب للحاضرين من الرجال وغيرهم ، وفي رواية ابن فضيل : " ما حملهن على هذا ، آلبر؟ انزعوها فلا أراها ، فنزعت " و " ما " استفهامية ، و " آلبر " في هذه الرواية مرفوع ، وقوله : " فلا أراها " زعم ابن التين أن الصواب حذف الألف من " أراها " قال : لأنه مجزوم بالنهي ، وليس كما قال .

قوله : ( فترك الاعتكاف ) في رواية أبي معاوية : " فأمر بخبائه فقوض " وهو بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة أي : نقض ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرة حرصا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه ، أو لما أذن لعائشة وحفصة أولا كان ذلك خفيفا بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين ، أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته ، وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصود الاعتكاف .

قوله : ( فترك الاعتكاف ذلك الشهر ، ثم اعتكف عشرا من شوال ) في رواية الأوزاعي : " فرجع [ ص: 325 ] فلما أن اعتكف " وفي رواية ابن فضيل : " فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال " وفي رواية أبي معاوية : " فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال " ويجمع بينه وبين رواية ابن فضيل بأن المراد بقوله : " آخر العشر من شوال " انتهاء اعتكافه ، قال الإسماعيلي : فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم ؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام ، وقال غيره : في اعتكافه في شوال دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى استحبابا ، واستدل به المالكية على وجوب قضاء العمل لمن شرع فيه ثم أبطله ، ولا دلالة فيه لما سيأتي . وقال ابن المنذر وغيره : في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها ، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها .

وعن أهل الرأي إذا أذن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك وامتنعت ، وعن مالك ليس له ذلك ، وهذا الحديث حجة عليهم ، وفيه جواز ضرب الأخبية في المسجد ، وأن الأفضل للنساء أن لا يعتكفن في المسجد ، وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه ، وأنه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه ، ويستنبط منه سائر التطوعات خلافا لمن قال باللزوم ، وفيه أن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح وهو قول الأوزاعي والليث والثوري ، وقال الأئمة الأربعة وطائفة : يدخل قبيل غروب الشمس ، وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ، ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح ، وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها وأجاب عن هذا الحديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه ، فعلى هذا فاللازم أحد الأمرين إما أن يكون شرع في الاعتكاف فيدخل على جواز الخروج منه ، وإما أن لا يكون شرع فيدل على أن أول وقته بعد صلاة الصبح . وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف ؛ لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع ولاكتفي لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن : وقال إبراهيم ابن علية : في قوله : " آلبر تردن " دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد إذ مفهومه أنه ليس ببر لهن ، ما قاله ليس بواضح ، وفيه شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل لأجله ، وفيه ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة ، وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه ، وفيه أن الاعتكاف لا يجب بالنية ، وأما قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - له فعلى طريق الاستحباب ؛ لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال ، وفيه أن المرأة إذا اعتكفت في المسجد استحب لها أن تجعل لها ما يسترها ، ويشترط أن تكون إقامتها في موضع لا يضيق على المصلين . وفي الحديث بيان مرتبة عائشة في كون حفصة لم تستأذن إلا بواسطتها ، ويحتمل أن يكون سبب ذلك كونه كان تلك الليلة في بيت عائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية