صفحة جزء
باب ما ذكر في الأسواق وقال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة قال سوق قينقاع وقال أنس قال عبد الرحمن دلوني على السوق وقال عمر ألهاني الصفق بالأسواق

2012 حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير بن مطعم قال حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم
[ ص: 397 ] [ ص: 398 ] قوله : ( باب ما ذكر في الأسواق ) قال ابن بطال : أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء ، وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع وهو حديث أخرجه أحمد والبزار ، وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أحب البقاع إلى الله المساجد ، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق وإسناده حسن ، وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا من حديث ابن عمر نحوه ، قال ابن بطال : وهذا خرج على الغالب وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد .

قوله : ( وقال عبد الرحمن بن عوف . . . إلخ ) تقدم موصولا في أوائل البيوع ، والغرض منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجودا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف وللتعفف عن الناس .

قوله : ( وقال أنس قال عبد الرحمن بن عوف ) تقدم أيضا موصولا هناك .

قوله : ( وقال عمر : ألهاني الصفق بالأسواق ) تقدم موصولا أيضا هناك في أثناء حديث أبي موسى الأشعري .

قوله : ( عن محمد بن سوقة ) بضم المهملة وسكون الواو بعدها قاف ، كوفي ثقة عابد يكنى أبا بكر من صغار التابعين ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في العيدين .

قوله : ( عن نافع بن جبير ) أي : ابن مطعم النوفلي وليس له في البخاري عن عائشة سوى هذا الحديث ، ووقع في رواية محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة " سمعت نافع بن جبير " أخرجه الإسماعيلي .

[ ص: 399 ] قوله : ( حدثتني عائشة ) هكذا قال إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة ، وخالفه سفيان بن عيينة فقال : " عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير عن أم سلمة " أخرجه الترمذي ، ويحتمل أن يكون نافع بن جبير سمعه منهما ، فإن روايته عن عائشة أتم من روايته عن أم سلمة ، وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عائشة ، وروى من حديث حفصة شيئا منه ، وروى الترمذي من حديث صفية نحوه .

قوله : ( يغزو جيش الكعبة ) في رواية مسلم " عبث النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه فقلنا له : صنعت شيئا لم تكن تفعله ، قال : العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش " وزاد في رواية أخرى أن أم سلمة قالت ذلك زمن ابن الزبير ، وفي أخرى أن عبد الله بن صفوان أحد رواة الحديث عن أم سلمة قال : والله ما هو هذا الجيش .

قوله : ( ببيداء من الأرض ) في رواية مسلم " بالبيداء " وفي حديث صفية على الشك ، وفي رواية لمسلم عن أبي جعفر الباقر قال : هي بيداء المدينة . انتهى . والبيداء : مكان معروف بين مكة والمدينة تقدم شرحه في كتاب الحج .

قوله : ( يخسف بأولهم وآخرهم ) زاد الترمذي في حديث صفية : " ولم ينج أوسطهم " وزاد مسلم في حديث حفصة : " فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم " واستغني بهذا عن تكلف الجواب عن حكم الأوسط وأن العرف يقضي بدخوله فيمن هلك أو لكونه آخرا بالنسبة للأول وأولا بالنسبة للآخر فيدخل .

قوله : ( وفيهم أسواقهم ) كذا عند البخاري بالمهملة والقاف ، جمع سوق وعليه ترجم ، والمعنى أهل أسواقهم ، أو السوقة منهم . وقوله : " ومن ليس منهم " أي : من رافقهم ولم يقصد موافقتهم . ولأبي نعيم من طريق سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا : " وفيهم أشرافهم " بالمعجمة والراء والفاء ، وفي رواية محمد بن بكار عند الإسماعيلي : " وفيهم سواهم " وقال : وقع في رواية البخاري : " أسواقهم " فأظنه تصحيفا ، فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق .

قلت : بل لفظ : " سواهم " تصحيف فإنه بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار ، بخلاف رواية البخاري . نعم أقرب الروايات إلى الصواب رواية أبي نعيم ، وليس في لفظ : " أسواقهم " ما يمنع أن يكون الخسف بالناس ، فالمراد بالأسواق أهلها أي : يخسف بالمقاتلة منهم ومن ليس من أهل القتال كالباعة ، وفي رواية مسلم : " فقلنا : إن الطريق يجمع الناس ، قال : نعم فيهم المستبصر - أي : المستبين لذلك القاصد للمقاتلة - والمجبور - بالجيم والموحدة ، أي : المكره - وابن السبيل - أي سالك الطريق - معهم وليس منهم " والغرض كله أنها استشكلت وقوع العذاب على من لا إرادة له في القتال الذي هو سبب العقوبة ، فوقع الجواب بأن العذاب يقع عاما لحضور آجالهم ، ويبعثون بعد ذلك على نياتهم .

وفي رواية مسلم : يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى وفي حديث أم سلمة عند مسلم : فقلت : يا رسول الله ، فكيف بمن كان كارها؟ قال : يخسف به ، ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي : يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده ، قال المهلب : في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم . قال : واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب ، وتعقبه ابن المنير بأن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية ، ويؤيده آخر [ ص: 400 ] الحديث حيث قال : ويبعثون على نياتهم ، وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل ، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك ، ويتردد النظر في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة هل هي إعانة لهم على ظلمهم أو هي من ضرورة البشرية ، ثم يعتبر عمل كل أحد بنيته . وعلى الثاني يدل ظاهر الحديث . وقال ابن التين : يحتمل أن يكون هذا الجيش الذي يخسف بهم هم الذين يهدمون الكعبة فينتقم منهم فيخسف بهم ، وتعقب بأن في بعض طرقه عند مسلم : " إن ناسا من أمتي " والذين يهدمونها من كفار الحبشة . وأيضا فمقتضى كلامه أنهم يخسف بهم بعد أن يهدموها ويرجعوا ، وظاهر الخبر أنه يخسف بهم قبل أن يصلوا إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية