صفحة جزء
باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك

2028 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الذي حفظناه من عمرو بن دينار سمع طاوسا يقول سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله
قوله : ( باب بيع الطعام قبل أن يقبض ، وبيع ما ليس عندك ) لم يذكر في حديثي الباب بيع ما ليس عندك ، وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبطه من النهي عن البيع قبل القبض . ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى ، وحديث النهي عن بيع ما ليس عندك أخرجه أصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ : قلت : يا رسول الله ، يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي ، أبيعه منه ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال : لا تبع ما ليس عندك وأخرجه الترمذي مختصرا ولفظه : نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندي قال ابن المنذر : وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما أن يقول : أبيعك عبدا أو دارا معينة وهي غائبة ، فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها ، ثانيهما أن يقول : هذه الدار بكذا ، [ ص: 410 ] على أن أشتريها لك من صاحبها ، أو على أن يسلمها لك صاحبها ا هـ . وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني .

قوله : ( حدثنا سفيان ) هو ابن عيينة وقوله : " الذي حفظناه من عمرو " كأن سفيان يشير إلى أن في رواية غير عمرو بن دينار عن طاوس زيادة على ما حدثهم به عمرو بن دينار عنه ، كسؤال طاوس من ابن عباس عن سبب النهي وجوابه وغير ذلك .

قوله عن ابن عباس ( أما الذي نهى عنه . . . إلخ ) أي : وأما الذي لم أحفظ نهيه فما سوى ذلك .

قوله : ( فهو الطعام أن يباع حتى يقبض ) في رواية مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " قال مسعر : وأظنه قال : " أو علفا " وهو بفتح المهملة واللام والفاء .

قوله : ( قال ابن عباس : لا أحسب كل شيء إلا مثله ) ولمسلم من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام " وهذا من تفقه ابن عباس ، ومال ابن المنذر إلى اختصاص ذلك بالطعام واحتج باتفاقهم على أن من اشترى عبدا فأعتقه قبل قبضه أن عتقه جائز ، قال فالبيع كذلك . وتعقب بالفارق وهو تشوف الشارع إلى العتق . وقول طاوس في الباب قبله " قلت لابن عباس كيف ذاك؟ قال ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ " معناه أنه استفهم عن سبب هذا النهي فأجابه ابن عباس بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باعه دراهم بدراهم . ويبين ذلك ما وقع في رواية سفيان عن ابن طاوس عند مسلم " قال طاوس قلت لابن عباس : لم؟ قال : ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ " أي : فإذا اشترى طعاما بمائة دينار مثلا ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارا وقبضها والطعام في يد البائع ، فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين دينارا ، وعلى هذا التفسير لا يختص النهي بالطعام ، ولذلك قال ابن عباس : " لا أحسب كل شيء إلا مثله " ويؤيده حديث زيد بن ثابت : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان ، قال القرطبي : هذه الأحاديث حجة على عثمان الليثي حيث أجاز بيع كل شيء قبل قبضه ، وقد أخذ بظاهرها مالك فحمل الطعام على عمومه وألحق بالشراء جميع المعاوضات ، وألحق الشافعي وابن حبيب وسحنون بالطعام كل ما فيه حق توفية ، وزاد أبو حنيفة والشافعي فعدياه إلى كل مشترى ، إلا أن أبا حنيفة استثنى العقار وما لا ينقل ، واحتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمر وقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن أخرجه الترمذي .

قلت : وفي معناه حديث حكيم بن حزام المذكور في صدر الترجمة . وفي صفة القبض عن الشافعي تفصيل : فما يتناول باليد كالدراهم والدنانير والثوب فقبضه بالتناول ، وما لا ينقل كالعقار والثمر على الشجر فقبضه بالتخلية ، وما ينقل في العادة كالأخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به ، وفيه قول إنه يكفي فيه التخلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية