صفحة جزء
باب بيع الملامسة وقال أنس نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم

2037 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عامر بن سعد أن أبا سعيد رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه
قوله : ( باب بيع الملامسة قال أنس : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه ) ثم قال : " باب بيع المنابذة " وعلق عن أنس مثله ، وأورد في البابين حديث أبي سعيد من وجهين وحديث أبي هريرة من وجهين . فأما حديث أنس فسيأتي موصولا بعد ثلاثين بابا في " باب بيع المخاضرة " . قوله في حديث أبي سعيد : " نهى عن المنابذة " وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، ونهى عن الملامسة ، والملامسة [ ص: 421 ] لمس الثوب لا ينظر إليه ، وسيأتي في اللباس من طريق يونس عن الزهري بلفظ : " والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك " .

والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون بيعهما عن غير نظر ولا تراض . ولأبي عوانة من طريق أخرى عن يونس " وذلك أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك " فهذا من أبواب القمار . وفي رواية ابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري : " والمنابذة أن يقول ألق إلي ما معك وألقي إليك ما معي " . وللنسائي حديث أبي هريرة : " الملامسة أن يقول الرجل للرجل : أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ، ولكن يلمسه لمسا ، والمنابذة أن يقول : أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ، يشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك ، ولم يذكر التفسير في طريق أبي سعيد الثانية هنا ولا في طريق أبي هريرة ، وقد وقع التفسير أيضا عند أحمد من طريق معمر هذه أخرجه عن عبد الرزاق عنه وفي آخره " والمنابذة أن يقول : إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع . والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع " ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة " أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل ، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه " وقد تقدم في الصيام من هذا الوجه وليس فيه التفسير ، وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة ؛ لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين .

واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور وهي أوجه للشافعية : أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب : بعتكه بكذا ، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته ، وهذا هو موافق للتفسيرين اللذين في الحديث الثاني ، أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة . الثالث : أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس وغيره . والبيع على التأويلات كلها باطل ، ومأخذ الأول عدم شرط رؤية المبيع واشتراط نفي الخيار ، ومأخذ الثاني اشتراط نفي الصيغة في عقد البيع فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقا ، لكن من أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة ، وأما الملامسة والمنابذة عند من يستعملهما فلا يخصهما بذلك ، فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة في بعض صور المعاطاة ، فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخص النهي في بعض صور الملامسة والمنابذة عما جرت العادة فيه بالمعاطاة ، وعلى هذا يحمل قول الرافعي : إن الأئمة أجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة ، والله أعلم . ومأخذ الثالث شرط نفي خيار المجلس ، وهذه الأقوال هي التي اقتصر عليها الفقهاء ، ونخرج مما ذكرناه من طرق الحديث زيادة على ذلك .

وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضا على ثلاثة أقوال ، وهي أوجه للشافعية أصحها : أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق ، للتفسير في الحديث المذكور ، والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة ، والثالث : أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار . واختلفوا في تفسير النبذ فقيل : هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور ، وقيل : هو نبذ الحصاة ، والصحيح أنه غيره . وقد روى مسلم النهي عن بيع الحصاة من حديث أبي هريرة . واختلف في تفسير بيع الحصاة فقيل : هو أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي حصاة ، أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي ، وقيل : هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمي الحصاة ، والثالث : أن يجعلا نفس الرمي بيعا .

وقوله في الحديث : [ ص: 422 ] " لمس الثوب لا ينظر إليه " استدل به على بطلان بيع الغائب وهو قول الشافعي في الجديد ، وعن أبي حنيفة يصح مطلقا ويثبت الخيار إذا رآه وحكي عن مالك والشافعي أيضا ، وعن مالك يصح إن وصفه وإلا فلا ، وهو قول الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأهل الظاهر ، واختاره البغوي والروياني من الشافعية وإن اختلفوا في تفاصيله ، ويؤيده قوله في رواية أبي عوانة التي قدمتها : " لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها " وفي الاستدلال لذلك وفاقا وخلافا طول ، واستدل به على بطلان بيع الأعمى مطلقا وهو قول معظم الشافعية حتى من أجاز منهم بيع الغائب لكون الأعمى لا يراه بعد ذلك فيكون كبيع الغائب مع اشتراط نفي الخيار ، وقيل : يصح إذا وصفه له غيره وبه قال مالك وأحمد ، وعن أبي حنيفة يصح مطلقا على تفاصيل عندهم أيضا .

( تنبيهات ) : الأول : وقع عند ابن ماجه أن التفسير من قول سفيان بن عيينة وهو خطأ من قائله ، بل الظاهر أنه قول الصحابي كما سأبينه بعد .

الحديث الثاني : حديث أبي سعيد اختلف فيه على الزهري : فرواه معمر وسفيان وابن أبي حفصة وعبد الله بن بديل وغيرهم عنه عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ، ورواه عقيل ويونس وصالح بن كيسان وابن جريج عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبي سعيد ، وروى ابن جريج بعضه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد ، وهو محمول عند البخاري على أنها كلها عند الزهري ، واقتصر مسلم على طريق عامر بن سعد وحده وأعرض عما سواها; وقد خالفهم كلهم الزبيدي فرواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، وخالفهم أيضا جعفر بن برقان فرواه عن الزهري عن سالم عن أبيه وزاد في آخره : " وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية " أخرجهما النسائي وخطأ رواية جعفر .

الثالث حديث : أبي هريرة أخرجه البخاري عنه من طرق ثالثها : طريق حفص بن عاصم عنه ، وهو في مواقيت الصلاة ، ولم يذكر في شيء من طرقه عنه تفسير المنابذة والملامسة ، وقد وقع تفسيرهما في رواية مسلم والنسائي كما تقدم ، وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع ، لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه : " وزعم أن الملامسة أن يقول . . . إلخ " فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ زعم ، ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من قوله أيضا كما تقدم .

الرابع : وقع في حديث أبي هريرة في الطريق الأولى هنا نهى عن لبستين ، واقتصر على لبسة واحدة ولم يذكره في موضع آخر ، وقد وقع بيان الثانية عند أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين ولفظه : أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ، وأن يرتدي في ثوب يرفع طرفيه على عاتقيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية