صفحة جزء
باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه

2089 حدثنا قتيبة عن مالك عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
[ ص: 467 ] قوله : ( باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه ) أي : ما يصنع ليسلم من الربا .

قوله : ( عن عبد المجيد ) بميم مفتوحة بعدها جيم ، ومن قاله بالمهملة ثم الميم فقد صحف ، وسيأتي ذكر ذلك في الوكالة .

قوله : ( عن عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن ) زاد في الوكالة من هذا الوجه " ابن عوف " .

قوله : ( عن سعيد بن المسيب ) في رواية سليمان بن بلال عن عبد المجيد " أنه سمع سعيد بن المسيب " أخرجه المصنف في " الاعتصام " .

قوله : ( عن أبي سعيد وعن أبي هريرة ) في رواية سليمان : " أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه " قال ابن عبد البر : ذكر أبي هريرة لا يوجد في هذا الحديث إلا لعبد المجيد ، وقد رواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وحده ، وكذلك رواه جماعة من أصحاب أبي سعيد عنه . قلت : رواية قتادة أخرجها النسائي وابن حبان من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه ، ولكن سياقه مغاير لسياق قصة عبد المجيد ، وسياق قتادة يشبه سياق عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد كما سيأتي الإشارة إليه في الوكالة .

قوله : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر ) في رواية سليمان المذكورة " بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر فأمره عليها " وأخرجه أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد المجيد فسماه سواد بن غزية ، وهو بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وفي آخره دال مهملة ، وغزية بغين معجمة وزاي وتحتانية ثقيلة بوزن عطية وسيأتي ذكر ذلك في المغازي في غزوة خيبر .

قوله : ( بتمر جنيب ) بجيم ونون وتحتانية وموحدة وزن عظيم ، قال مالك : هو الكبيس ، وقال الطحاوي : هو الطيب وقيل : الصلب وقيل : الذي أخرج منه حشفه ورديئه ، وقال غيرهم : هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع .

قوله : ( بالصاعين ) زاد في رواية سليمان " من الجمع " وهو بفتح الجيم وسكون الميم التمر المختلط .

[ ص: 468 ] قوله : ( بالثلاث ) كذا للأكثر ، وللقابسي بالثلاثة ، وكلاهما جائز لأن الصاع يذكر ويؤنث .

قوله : ( لا تفعل ) زاد سليمان : " ولكن مثلا بمثل " أي : بع المثل بالمثل وزاد في آخره : " وكذلك الميزان " وكذا وقع ذكر الميزان في الطريق التي في الوكالة أي : في بيع ما يوزن من المقتات بمثله ، قال ابن عبد البر : كل من روى عن عبد المجيد هذا الحديث ذكر فيه الميزان سوى مالك . قلت : وفي هذا الحصر نظر لما في الوكالة ، وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه كل يقول على أصله : إن كل ما دخله الربا من جهة التفاضل فالكيل والوزن فيه واحد ، ولكن ما كان أصله الكيل لا يباع إلا كيلا وكذا الوزن ، ثم ما كان أصله الوزن لا يصح أن يباع بالكيل ، بخلاف ما كان أصله الكيل فإن بعضهم يجيز فيه الوزن ويقول إن المماثلة تدرك بالوزن في كل شيء ، قال وأجمعوا على أن التمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل ، وسواء فيه الطيب والدون ، وأنه كله على اختلاف أنواعه جنس واحد . قال : وأما سكوت من سكت من الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع إما ذهولا وإما اكتفاء بأن ذلك معلوم ، وقد ورد الفسخ من طريق أخرى ، كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد نحو هذه القصة وفيه : " فقال هذا الربا فردوه " قال : ويحتمل تعدد القصة وأن القصة التي لم يقع فيها الرد كانت قبل تحريم ربا الفضل والله أعلم .

وفي الحديث قيام عذر من لا يعلم التحريم حتى يعلمه ، وفيه جواز الرفق بالنفس وترك الحمل على النفس لاختيار أكل الطيب على الرديء خلافا لمن منع ذلك من المتزهدين . واستدل به على جواز بيع العينة وهو أن يبيع السلعة من رجل بنقد ثم يشتريها منه بأقل من الثمن ؛ لأنه لم يخص بقوله : " ثم اشتر بالدراهم جنيبا " غير الذي باع له الجمع ، وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل ولكن يشيع فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به فيما عداها ، ولا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باعه تلك السلعة بعينها . وقيل : إن وجه الاستدلال به لذلك من جهة ترك الاستفصال ، ولا يخفى ما فيه .

وقال القرطبي : استدل بهذا الحديث من لم يقل بسد الذرائع ؛ لأن بعض صور هذا البيع يؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا ويكون الثمن لغزا ، قال ولا حجة في هذا الحديث ؛ لأنه لم ينص على جواز شراء التمر الثاني ممن باعه التمر الأول ، ولا يتناوله ظاهر السياق بعمومه بل بإطلاقه والمطلق يحتمل التقييد إجمالا فوجب الاستفسار ، وإذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كاف ، وقد دل الدليل على سد الذرائع فلتكن هذه الصورة ممنوعة . واستدل بعضهم على الجواز بما أخرجه سعيد بن منصور من طريق ابن سيرين : " أن عمر خطب فقال إن الدرهم بالدرهم سواء بسواء يدا بيد ، فقال له ابن عوف : فنعطي الجنيب ونأخذ غيره؟ قال لا ، ولكن ابتع بهذا عرضا فإذا قبضته وكان له فيه نية فاهضم ما شئت وخذ أي نقد شئت " . واستدل أيضا بالاتفاق على أن من باع السلعة التي اشتراها ممن اشتراها منه بعد مدة فالبيع صحيح فلا فرق بين التعجيل في ذلك والتأجيل ، فدل على أن المعتبر في ذلك وجود الشرط في أصل العقد وعدمه؟ فإن تشارطا على ذلك في نفس العقد فهو باطل ، أو قبله ثم وقع العقد بغير شرط فهو صحيح ، ولا يخفى الورع . وقال بعضهم : ولا يضر إرادة الشراء إذا كان بغير شرط ، وهو كمن أراد أن يزني بامرأة ثم عدل عن ذلك فخطبها وتزوجها فإنه عدل عن الحرام إلى الحلال بكلمة الله التي أباحها ، وكذلك البيع والله أعلم .

وفي الحديث جواز اختيار طيب الطعام ، وجواز الوكالة في البيع وغيره . وفيه أن البيوع الفاسدة ترد ، وفيه حجة على من قال : إن [ ص: 469 ] بيع الربا جائز بأصله من حيث إنه بيع ، ممنوع بوصفه من حيث إنه ربا ، فعلى هذا يسقط الربا ويصح البيع قاله القرطبي ، قال : ووجه الرد أنه لو كان كذلك لما رد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الصفقة ، ولأمره برد الزيادة على الصاع .

التالي السابق


الخدمات العلمية