صفحة جزء
باب الوضوء من النوم ومن لم ير من النعسة والنعستين أو الخفقة وضوءا

209 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه
قوله : ( باب الوضوء من النوم ) أي : هل يجب أو يستحب ، وظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما ، والمشهور التفرقة بينهما وأن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس ، وإن زاد على ذلك فهو نائم ، ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت ، وفي العين والمحكم النعاس النوم ، وقيل مقاربته .

قوله : ( ومن لم ير من النعسة ) هو قول المعظم ، ويتخرج من جعل النعاس نوما أن من يقول النوم حدث بنفسه يوجب الوضوء من النعاس ، وقد روى مسلم في صحيحه في قصة صلاة ابن عباس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل قال " فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني " فدل على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق . وروى ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال " وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة " والخفقة بفتح المعجمة وإسكان الفاء بعدها قاف قال ابن التين : هي النعسة ، وإنما كرر لاختلاف اللفظ ، كذا قال . والظاهر أنه من الخاص بعد العام ، قال أهل اللغة : خفق رأسه إذا حركه وهو ناعس ، وقال أبو زيد : خفق برأسه من النعاس : أماله . وقال الهروي : معنى تخفق رءوسهم تسقط أذقانهم على صدورهم ، وأشار بذلك إلى حديث أنس " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رءوسهم ، ثم يقومون إلى الصلاة " رواه محمد بن نصر في قيام الليل وإسناده صحيح وأصله عند مسلم .

قوله : ( عن هشام ) زاد الأصيلي " ابن عروة " والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري .

[ ص: 376 ] قوله : ( إذا نعس ) بفتح العين وغلطوا من ضمها .

قوله ( فليرقد ) وللنسائي من طريق أيوب عن هشام " فلينصرف " والمراد به التسليم من الصلاة ، وحمله المهلب على ظاهره فقال : إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه ، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه . قال : وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء ، وخالف المزني فقال : ينقض قليله وكثيره . فخرق الإجماع . كذا قال المهلب ، وتبعه ابن بطال وابن التين وغيرهما ، وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى ، فقد نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره ، وهو قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه ، قال ابن المنذر : وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره ، ففيه إلا من غائط أو بول أو نوم فيسوي بينهما في الحكم ، والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه ، والذين ذهبوا إلى أن النوم مظنة الحدث اختلفوا على أقوال : التفرقة بين قليله وكثيره وهو قول الزهري ومالك ، وبين المضطجع وغيره وهو قول الثوري ، وبين المضطجع والمستند وغيرهما وهو قول أصحاب الرأي ، وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم وهو قول أبي يوسف ، وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم ، وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا ، وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض ، وفي المهذب : وإن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالأرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوءه ، وقال في البويطي : ينتقض ، وهو اختيار المزني ، انتهى .

وتعقب بأن لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فإنه قال : ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء . قال النووي : هذا قابل للتأويل >[1] .

قوله : ( فإن أحدكم ) قال المهلب فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة ، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوءه بالإجماع . كذا قال وفيه نظر ، فإن الإشارة إنما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلم منها ، وأما النقض فلا يتبين من سياق الحديث لأن جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس ، وهو القائل إن قليل النوم لا ينقض فكيف بالنعاس ، وما ادعاه من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وسعيد بن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقا ، وفي صحيح مسلم وأبي داود " وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فينامون ثم يصلون ولا يتوضئون ، فحمل على أن ذلك كان وهم قعود ، لكن في مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث " فيضعون جنوبهم ، فمنهم من ينام ، ثم يقومون إلى الصلاة " .

قوله : ( فيسب ) بالنصب ويجوز الرفع ، ومعنى يسب يدعو على نفسه ، وصرح به النسائي في روايته من طريق أيوب عن هشام ، ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة قاله ابن أبي جمرة ، وفيه الأخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل ، والحث على الخشوع وحضور القلب للعبادة واجتناب المكروهات في الطاعات وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين .

[ ص: 377 ] ( فائدة ) : هذا الحديث ورد على سبب ، وهو ما رواه محمد بن نصر من طريق ابن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت كما تقدم في " باب أحب الدين إلى الله أدومه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية