صفحة جزء
باب إن أحال دين الميت على رجل جاز

2169 حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا صل عليها فقال هل عليه دين قالوا لا قال فهل ترك شيئا قالوا لا فصلى عليه ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا يا رسول الله صل عليها قال هل عليه دين قيل نعم قال فهل ترك شيئا قالوا ثلاثة دنانير فصلى عليها ثم أتي بالثالثة فقالوا صل عليها قال هل ترك شيئا قالوا لا قال فهل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير قال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه
قوله : ( باب إن أحال دين الميت على رجل جاز ، وإذا أحال على مليء فليس له رد ) كذا ثبت عند أبي ذر . والترجمة الثانية مقدمة عند غيره على الباب في باب مفرد ، فيه حديث أبي هريرة : مطل الغني ظلم عن محمد بن يوسف عن سفيان وهو الثوري عن أبي الزناد ، ومناسبته للترجمة واضحة ، وهو يشعر بأنه في ذلك موافق للجمهور على عدم الرجوع ، وقد تقدمت مباحث ذلك في الذي قبله . وقد ذكر أبو مسعود أن هذه الطريق ثبتت في رواية النعيمي عن الفربري ، وأنها لم تقع عند الحموي . قال وقد رواها حماد بن شاكر عن البخاري . قلت : وثبتت أيضا عند أبي زيد المروزي عن الفربري ، ورواها أيضا إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري . ويؤيد صنيع النسفي ومن تبعه أنه ترجم بعد أبواب لحديث سلمة " باب من [ ص: 546 ] تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع " فلو كان ما صنعه أبو ذر محفوظا لكان قد كرر الترجمة لحديث واحد .

( تنبيهان ) : الأول محمد بن يوسف لا قرابة بينه وبين عبد الله بن يوسف ، فمحمد هو ابن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي صاحب سفيان الثوري ، وعبد الله هو ابن يوسف بن عبد الله التنيسي صاحب مالك ، ولم يلق الفريابي مالكا ولا التنيسي سفيان والله أعلم . الثاني : قال ابن بطال : إنما ترجم بالحوالة فقال : " إن أحال دين الميت " ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان ؛ لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان ، وإليه ذهب أبو ثور ؛ لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر ، والضمان في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء . قلت : وقد ترجم له بعد ذلك بالكفالة على ظاهر الخبر .

قوله : ( إذا أتى بجنازة ) لم أقف على اسم صاحب هذه الجنازة ولا على الذي بعده ، وللحاكم من حديث جابر : " مات رجل فغسلناه وكفناه وحفظناه ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به " .

قوله : ( فقال : هل عليه دين ) سيأتي بعد أربعة أبواب سبب هذا السؤال من حديث أبي هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى عليه ، وإلا قال للمسلمين : صلوا على صاحبكم " الحديث ، وبين فيه أنه ترك ذلك بعد أن فتح الله عليه الفتوح .

قوله : ( ثم أتي بجنازة أخرى ) ذكر في هذا الحديث أحوال ثلاثة وترك حال رابع ، الأول : لم يترك مالا وليس عليه دين ، والثاني : عليه دين وله وفاء ، والثالث : عليه دين ولا وفاء له ، والرابع : من لا دين عليه وله مال ، وهذا حكمه أن يصلى عليه أيضا ، وكأنه لم يذكر لا لكونه لم يقع بل لكونه كان كثيرا .

قوله : ( ثلاثة دنانير ) في حديث جابر عند الحاكم " ديناران " وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه ، وكذلك أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد ، ويجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرا ، فمن قال : " ثلاثة " ، جبر الكسر ، ومن قال : " ديناران " ، ألغاه ، أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران ، فمن قال : " ثلاثة " ، فباعتبار الأصل ، ومن قال : " ديناران " ، فباعتبار ما بقي من الدين ، والأول أليق ، ووقع عند ابن ماجه من حديث أبي قتادة " ثمانية عشر درهما " ، وهذا دون دينارين وفي مختصر المزني من حديث أبي سعيد الخدري " درهمين " ويجمع إن ثبت بالتعدد .

قوله : ( فقال أبو قتادة : صل عليه يا رسول الله ، وعلي دينه ، فصلى عليه ) وفي رواية ابن ماجه من حديث أبي قتادة نفسه : " فقال أبو قتادة وأنا أتكفل به " زاد الحاكم في حديث جابر : " فقال : هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء؟ قال : نعم . فصلى عليه ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقي أبا قتادة يقول : ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال : قد قضيتهما يا رسول الله . قال : الآن حين بردت عليه جلده " وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى; فروى الدارقطني من حديث علي : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ، ويسأل عن دينه ، فإن قيل : عليه دين [ ص: 547 ] كف ، وإن قيل : ليس عليه دين . صلى . فأتي بجنازة ، فلما قام ليكبر سأل : هل عليه دين؟ فقالوا : ديناران ، فعدل عنه ، فقال علي : هما علي يا رسول الله ، وهو بريء منهما . فصلى عليه . ثم قال لعلي : جزاك الله خيرا ، وفك الله رهانك الحديث .

قال ابن بطال : ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة ولا رجوع له في مال الميت . وعن مالك له أن يرجع إن قال : إنما ضمنت لأرجع ، فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له ، وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك ، وإن لم يترك وفاء لم يصح ذلك . وهذا الحديث حجة للجمهور . وفي هذا الحديث إشعار بصعوبة أمر الدين ، وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة . وسيأتي الكلام على الحكمة في تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على من عليه دين في أول الأمر عند الكلام على حديث أبي هريرة بعد أربعة أبواب ، إن شاء الله تعالى . وفي الحديث وجوب الصلاة على الجنازة ، وقد تقدم البحث في ذلك في موضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية