صفحة جزء
باب فضل سقي الماء

2234 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر تابعه حماد بن سلمة والربيع بن مسلم عن محمد بن زياد
[ ص: 50 ] قوله : ( باب فضل سقي الماء ) أي لكل من احتاج إلى ذلك .

قوله : ( عن سمي ) بالمهملة مصغرا ، زاد في المظالم " مولى أبي بكر " أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام " .

قوله : ( عن أبي صالح ) زاد في المظالم : " السمان " والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري .

قوله : ( بينا رجل ) لم أقف على اسمه .

قوله : ( يمشي ) قال في المظالم " بينما رجل بطريق " ، وللدارقطني في " الموطآت " من طريق روح عن مالك " يمشي بفلاة " وله من طريق ابن وهب عن مالك " يمشي بطريق مكة " .

قوله : ( فاشتد عليه ) وقعت الفاء هنا موضع " إذا " كما وقعت إذا موضعها في قوله تعالى : إذا هـم يقنطون وسقطت هذه الفاء من رواية مسلم وكذا من الرواية الآتية في المظالم للأكثر :

قوله : ( فاشتد عليه العطش ) كذا للأكثر ، وكذا هـو في " الموطأ " ووقع في رواية المستملي " العطاش " ، [ ص: 51 ] قال ابن التين : العطاش داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى وهو غير مناسب هنا ، قال : وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث منه هذا الداء كالزكام . قلت : وسياق الحديث يأباه ، وظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة .

قوله : ( يلهث ) بفتح الهاء ، اللهث بفتح الهاء هو ارتقاع النفس من الإعياء ، قال ابن التين : لهث الكلب أخرج لسانه من العطش وكذلك الطائر ، ولهث الرجل إذا أعيا ، ويقال إذا بحث بيديه ورجليه .

قوله : ( يأكل الثرى ) أي يكدم بفمه الأرض الندية ، وهي إما صفة وإما حال ، وليس بمفعول ثان لرأى .

قوله : ( بلغ هذا مثل ) بالفتح أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ بي ، وضبطه الدمياطي بخطه بضم مثل ولا يخفى توجيهه ، وزاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي صالح " فرحمه " .

قوله : ( فملأ خفه ) في رواية ابن حبان " فنزع أحد خفيه " .

قوله : ( ثم أمسكه ) أي أحد خفيه الذي فيه الماء ، وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان يعالج بيديه ليصعد من البئر ، وهو يشعر بأن الصعود منها كان عسرا .

قوله : ( ثم رقي ) بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنا ومعنى ، وذكره ابن التين بفتح القاف بوزن مضى وأنكره ، وقال عياض في " المشارق " هي لغة طيئ يفتحون العين فيما كان من الأفعال معتل اللام والأول أفصح وأشهر .

قوله : ( فسقى الكلب ) زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح " حتى أرواه " أي جعله ريانا ، وقد مضى في الطهارة .

قوله : ( فشكر الله له ) أي أثنى عليه أو قبل عمله أو جازاه بفعله ، وعلى الأخير فالفاء في قوله : " فغفر له " تفسيرية أو من عطف الخاص على العام . وقال القرطبي : معنى قوله : " فشكر الله له " أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته . ووقع في رواية عبد الله بن دينار بدل فغفر له " فأدخله الجنة " وكذا في رواية ابن حبان .

قوله : ( قالوا ) سمي من هؤلاء السائلين سراقة بن مالك بن جعشم ، رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان .

قوله : ( وإن لنا ) هو معطوف على شيء محذوف تقديره الأمر كما ذكرت وإن لنا ( في البهائم ) أي في سقي البهائم أو الإحسان إلى البهائم ( أجرا ) .

قوله : ( في كل كبد رطبة أجر ) أي كل كبد حية ، والمراد رطوبة الحياة ، أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فهو كناية ، ومعنى الظرفية هنا أن يقدر محذوف ، أي الأجر ثابت في إرواء كل كبد حية ، والكبد يذكر ويؤنث ، ويحتمل أن تكون " في " سببية كقولك في النفس الدية ، قال الداودي : المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوان . وقال أبو عبد الملك : هذا الحديث كان في بني إسرائيل ، وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب . وأما قوله : " في كل كبد " فمخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه ، لأن المأمور [ ص: 52 ] بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره ، وكذا قال النووي : إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ، ويلتحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه .

وقال ابن التين : لا يمتنع إجراؤه على عمومه ، يعني فيسقى ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة . واستدل به على طهارة سؤر الكلب وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الطهارة . ومما قيل في الرد على من استدل به : إنه فعل بعض الناس ولا يدري هل هو كان ممن يقتدى به أم لا ، والجواب أنا لم نحتج بمجرد الفعل المذكور بل إذا فرعنا على أن شرع من قبلنا شرع لنا فإنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم ، بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح إن علم ولم يقيده بقيد صح الاستدلال به .

وفي الحديث جواز السفر منفردا وبغير زاد ، ومحل ذلك في شرعنا ما إذا لم يخف على نفسه الهلاك . وفيه الحث على الإحسان إلى الناس ، لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرا . واستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين ، وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق ، وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق ، والله أعلم .

ثم ذكر المصنف في الباب حديثي أسماء بنت أبي بكر وابن عمر في قصة المرأة التي ربطت الهرة حتى ماتت فدخلت النار ، وسيأتي الكلام عليه في بدء الخلق ، وتقدم حديث أسماء بأتم من هذا في أوائل صفة الصلاة ، وأما حديث ابن عمر فذكر الدارقطني أن معن بن عيسى تفرد بذكره في الموطأ ، قال : ورواه في غير الموطأ ابن وهب والقعنبي وابن أبي أويس ومطرف ، ثم ساقه من طرقهم . وأخرجه الإسماعيلي من طريق معن وابن وهب ، وأخرجه أبو نعيم من طريق القعنبي . ومناسبة حديث الهرة للترجمة من جهة أن المرأة عوقبت على كونها لم تسقها ، فمقتضاه أنها لو سقتها لم تعذب . قال ابن المنير : دل الحديث على تحريم قتل من لم يؤمر بقتله عطشا ولو كان هرة وليس فيه ثواب السقي ولكن كفى بالسلامة فضلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية