صفحة جزء
باب إثم من ظلم شيئا من الأرض

2320 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني طلحة بن عبد الله أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل أخبره أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين
[ ص: 124 ] قوله : ( باب إثم من ظلم شيئا من الأرض ) كأنه يشير إلى توجيه تصوير غصب الأرض ، خلافا لمن قال لا يمكن ذلك .

قوله : ( حدثني طلحة بن عبد الله ) أي ابن عوف ، وكذا هـو عند أحمد عن أبي اليمان ، زاد الحميدي في مسنده من وجه آخر في هذا الحديث " وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف " .

قوله : ( عبد الرحمن بن عمرو بن سهل ) هو المدني ، وقد ينسب إلى جده ، وقد نسبه المزي أنصاريا ولم أر ذلك في شيء من طرق حديثه ، بل في رواية ابن إسحاق التي سأذكرها ما يدل على أنه قرشي ، وقد ذكر الواقدي فيمن قتل بالحرة عبد الملك بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر العامري القرشي وأظنه ولد هذا وكانت الحرة بعد هذه القصة بنحو من عشر سنين ، وليس لعبد الرحمن هذا في صحيح البخاري سوى هذا الحديث الواحد .

وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقد أسقط بعض أصحاب الزهري - في روايتهم عنه هذا الحديث‌ - عبد الرحمن بن عمرو بن سهل وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه ، وفي مسند أحمد وأبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق ابن إسحاق " حدثني الزهري عن طلحة بن عبد الله قال : أتتني أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت : إن سعيدا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له ، وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه . قال فركبنا إليه وهو بأرضه بالعقيق " فذكر الحديث ، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون طلحة سمع هذا الحديث من سعيد بن زيد وثبته فيه عبد الرحمن بن عمرو بن سهل ، فلذلك كان ربما أدخله في السند وربما حذفه والله أعلم .

قوله : ( من ظلم ) قد تقدم من رواية ابن إسحاق قصة لسعيد في هذا الحديث وسيأتي في بدء الخلق من طريق عروة عن سعيد أنه " خاصمته أروى في حق زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان " ولمسلم من هذا [ ص: 125 ] الوجه " ادعت أروى بنت أويس على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم " وله من طريق محمد بن زيد عن سعيد " أن أروى خاصمته في بعض داره ، فقال : دعوها وإياها " وللزبير في " كتاب النسب " من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه والحسن بن سفيان من طريق أبي بكر بن محمد بن حزم " استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم وهو والي المدينة على سعيد بن زيد في أرضه بالشجرة وقالت : إنه أخذ حقي ، وأدخل ضفيرتي في أرضه " فذكره . وفي رواية العلاء " فترك سعيد ما ادعت " ولابن حبان والحاكم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن في هذه القصة وزاد " فقال لنا مروان أصلحوا بينهما " .

قوله : ( من الأرض شيئا ) في رواية عروة في بدء الخلق " من أخذ شبرا من الأرض ظلما " وفي حديث عائشة ثاني أحاديث الباب " قيد شبر " وهو بكسر القاف وسكون التحتانية أي قدره وكأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد .

قوله : ( طوقه ) بضم أوله على البناء للمجهول ، وفي رواية عروة " فإنه يطوقه " ولأبي عوانة والجوزقي في حديث أبي هريرة " جاء به مقلده " .

قوله : ( من سبع أرضين ) بفتح الراء ويجوز إسكانها ، وزاد مسلم من طريق عروة ومن طريق محمد بن زيد " أن سعيدا قال : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها " وفي رواية العلاء وأبي بكر نحوه وزاد " قال : وجاء سيل فأبدى عن ضفيرتها فإذا حقها خارجا عن حق سعيد ، فجاء سعيد إلى مروان فركب معه والناس حتى نظروا إليها وذكروا كلهم أنها عميت وأنها سقطت في بئرها فماتت " قال الخطابي قوله : " طوقه " له وجهان :

أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه ، لا أنه طوق حقيقة .

الثاني معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه انتهى . وهذا يؤيده حديث ابن عمر ثالث أحاديث الباب بلفظ " خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " وقيل معناه كالأول ، لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقا ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك ، وقد روى الطبري وابن حبان من حديث يعلى بن مرة مرفوعا أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس ولأبي يعلى بإسناد حسن عن الحكم بن الحارث السلمي مرفوعا من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين ونظير ذلك ما تقدم في الزكاة في حديث أبي هريرة في حق من غل بعيرا جاء يوم القيامة يحمله ، ويحتمل - وهو الوجه الرابع - أن يكون المراد بقوله : " يطوقه " يكلف أن يجعله له طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب بذلك ، كما جاء في حق من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة ويحتمل - وهو الوجه الخامس - أن يكون التطويق تطويق الإثم ، والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم ، ومنه قوله تعالى ألزمناه طائره في عنقه وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ، وقد روى [ ص: 126 ] ابن أبي شيبة بإسناد حسن من حديث أبي مالك الأشعري : أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل فيطوقه من سبع أرضين وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته ، وإمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر قاله القرطبي ، وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد ، وأن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه .

وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك ، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره . وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت لاكتفي في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي . وفيه أن الأرضين السبع طباق كالسماوات ، وهو ظاهر قوله تعالى : ومن الأرض مثلهن خلافا لمن قال : إن المراد بقوله : سبع أرضين ؛ سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من إقليم آخر قاله ابن التين . وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان بسببها وإلا مع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه .

( تنبيه ) : أروى بفتح الهمزة وسكون الراء والقصر باسم الحيوان الوحشي المشهور ، وفي المثل " يقولون إذا دعوا : كعمى الأروى " قال الزبير في روايته . كان أهل المدينة إذا دعوا قالوا : أعماه الله كعمى أروى ، يريدون هذه القصة . قال : ثم طال العهد فصار أهل الجهل يقولون : كعمى الأروى ، يريدون الوحش الذي بالجبل ويظنونه أعمى شديد العمى وليس كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية