صفحة جزء
باب من قاتل دون ماله

2348 حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من قتل دون ماله فهو شهيد
قوله : ( باب من قاتل دون ماله ) أي ما حكمه ؟ قال القرطبي : " دون " في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت ، وتستعمل للسببية على المجاز ، ووجهه أن الذي يقاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه .

قوله : ( حدثنا عبد الله بن يزيد ) هو المقرئ وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ، ووقع منسوبا هـكذا عند الإسماعيلي .

قوله : ( عن عكرمة ) في رواية الطبري عن أبي الأسود " أن عكرمة أخبره " وليس لعكرمة عن عبد الله بن عمرو وهو ابن العاص في صحيح البخاري غير هذا الحديث الواحد .

قوله : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) قال الإسماعيلي وكذا أخرجه البخاري . وكأنه كتبه من حفظه أو حدث به المقرئ من حفظه فجاء به على اللفظ المشهور ، وإلا فقد رواه الجماعة عن المقرئ بلفظ " من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة " قال : ومن أتى به على غير اللفظ الذي اعتيد فهو أولى بالحفظ ولا سيما وفيهم مثل دحيم ، وكذلك ما زادوه من قوله : " مظلوما " فإنه لا بد من هذا القيد . وساقه من طريق دحيم وابن أبي عمر وعبد العزيز بن سلام ، قلت : وكذلك أخرجه النسائي عن عبيد الله بن فضالة عن المقرئ ، وكذلك رواه حيوة بن شريح عن أبي الأسود بهذا اللفظ أخرجه الطبري .

نعم للحديث طريق أخرى عن عكرمة أخرجها النسائي باللفظ المشهور ، وأخرجه مسلم كذلك من طريق ثابت بن عياض عن عبد الله بن عمرو ، وفي روايته قصة قال : " لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان - يشير للقتال - فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه ، فقال عبد الله بن عمرو : أما علمت . . . " فذكر الحديث ، وأشار بقوله : " ما كان " إلى ما بينه حيوة في روايته المشار إليها فإن أولها " أن عاملا لمعاوية أجرى عينا من ماء ليسقي بها أرضا ، فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص فأراد أن يخرجه ليجري العين منه إلى الأرض ، فأقبل عبد الله بن عمرو ومواليه بالسلاح وقالوا : والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحد " فذكر الحديث ، والعامل المذكور هو عنبسة بن أبي سفيان كما ظهر من رواية مسلم ، وكان عاملا لأخيه على مكة والطائف ، والأرض المذكورة كانت بالطائف ، وامتناع عبد الله بن عمرو من ذلك لما يدخل عليه من الضرر فلا حجة فيه لمن عارض به حديث أبي هريرة فيمن أراد أن يضع جذعه على جدار جاره والله أعلم .

[ ص: 148 ] وأخرجه النسائي من وجهين آخرين ، وأبو داود والترمذي من وجه آخر كلهم عن عبيد الله بن عمرو باللفظ المشهور ، وفي رواية لأبي داود والترمذي من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد ولابن ماجه من حديث ابن عمر نحوه ، وكأن البخاري أشار إلى ذلك في الترجمة لتعبيره بلفظ " قاتل " وروى الترمذي وبقية أصحاب السنن من حديث سعيد بن زيد نحوه وفيه ذكر الأهل والدم والدين ، وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجه من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد قال النووي : فيه جواز قتل من قصد أخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلا أو كثيرا وهو قول الجمهور ، وشذ من أوجبه ، وقال بعض المالكية : لا يجوز إذا طلب الشيء الخفيف . قال القرطبي : سبب الخلاف عندنا هـل الإذن في ذلك من باب تغيير المنكر فلا يفترق الحال بين القليل والكثير ، أو من باب دفع الضرر فيختلف الحال ؟ وحكى ابن المنذر عن الشافعي قال : من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه أو يستغيث ، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه ، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة لكن ليس له عمد قتله .

قال ابن المنذر : والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل ، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث المجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه . وفرق الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام فحمل الحديث عليها ، وأما في حال الاختلاف والفرقة فليستسلم ولا يقاتل أحدا . ويرد عليه ما وقع في حديث أبي هريرة عند مسلم أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه . قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : فاقتله . قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد . قال أرأيت إن قتلته ؟ قال : فهو في النار قال ابن بطال : إنما أدخل البخاري هذه الترجمة في هذه الأبواب ليبين أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله ولا شيء عليه ، فإنه إذا كان شهيدا إذا قتل في ذلك فلا قود عليه ولا دية إذا كان هو القاتل .

التالي السابق


الخدمات العلمية