صفحة جزء
2410 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك
قوله : ( والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ) ظاهر هذا السياق رفع هذه الجمل إلى آخرها وعلى ذلك جرى الخطابي فقال : لله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف ا هـ . وجزم الداودي وابن بطال وغير واحد بأن ذلك مدرج من قول أبي هريرة ، ويدل عليه من حيث المعنى قوله : " وبر أمي " فإنه لم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ أم يبرها ، ووجهه [ ص: 209 ] الكرماني فقال : أراد بذلك تعليم أمته ، أو أورده على سبيل فرض حياتها أو المراد أمه التي أرضعته ا هـ .

وفاته التنصيص على إدراج ذلك فقد فصله الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن المبارك ولفظه " والذي نفس أبي هريرة بيده إلخ " وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في " كتاب البر والصلة " عن ابن المبارك ، وكذلك أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي ، والمصنف في " الأدب المفرد " من طريق سليمان بن بلال ، والإسماعيلي من طريق سعيد بن يحيى اللخمي وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر كلهم عن يونس ، زاد مسلم في آخر طريق ابن وهب " قال - يعني الزهري - وبلغنا أن أبا هـريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها " ولأبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يسمعه يقول : لولا أمران لأحببت أن أكون عبدا ، وذلك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما خلق الله عبدا يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين فعرف بذلك أن الكلام المذكور من استنباط أبي هريرة ، ثم استدل له بالمرفوع ; وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد ، وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه ، بخلاف بقية العبادات البدنية . ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد ، وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد .

( فائدة ) : اسم أم أبي هريرة أميمة بالتصغير وقيل : ميمونة ، وهي صحابية ذكر إسلامها في " صحيح مسلم " وبيان اسمها في " ذيل المعرفة " لأبي موسى قال ابن عبد البر : معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان ؛ طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته ، لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته ، قال : ومن هنا أقول : إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه صلاة وزكاة فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ، ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها ا هـ ملخصا .

والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة لما يدخل عليه من مشقة الرق ، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك . وقال ابن التين : المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له ، قال : وقيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحا وفي عبادة ربه إحسانا فكان له أجر الواجبين وأجر الزيادة عليهما . قال : والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك لئلا يظن أنه غير مأجور على العبادة ا هـ .

وما ادعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك ، فإن قيل : يلزم أن يكون أجر المماليك ضعف أجر السادات أجاب الكرماني بأن لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفا من هذه الجهة ، وقد يكون للسيد جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد ، أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما ا هـ . ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين ، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم . واستدل به على أن العبد لا جهاد عليه ولا حج في حال العبودية وإن صح ذلك منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية