صفحة جزء
باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له ونظر الأم وزوجها لليتيم

2616 حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا ابن علية حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا
قوله : باب يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم ، إلى آخر الآية ) كذا لأبي ذر ، وساق غيره الآية .

قوله : ( لأعنتكم لأحرجكم وضيق ) هو تفسير ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وزاد بعد قوله ضيق عليكم " ولكنه وسع ويسر فقال : ومن كان غنيا فليستعفف ، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " يقول يأكل الفقير إذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله ومنفعته ما لم يسرف أو يبذر ، [ ص: 463 ] ثم أخرج من طريق سعيد بن جبير قال في قوله : " لأعنتكم " : لأحرجكم اهـ ، وقوله : أعنتكم فعل ماض من العنت بفتح المهملة والنون بعدها مثناة والهمزة للتعدية أي أوقعكم في العنت .

قوله : ( وعنت خضعت ) كذا وقع هنا ، واستغرب لأنه لا تعلق له بقوله : ( أعنتكم ) بل هو فعل ماض من العنو بضم المهملة والنون وتشديد الواو ، وليس هو من العنت في شيء لأن التاء في العنت أصلية وفي عنت للتأنيث ولام الفعل منه واو لكنها ذهبت في الوصل ، فلعل المصنف ذكر ذلك هنا استطرادا ، وتفسير ( عنت الوجوه ) بخضعت أخرجه ابن المنذر أيضا من طريق مجاهد وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : " قوله وعنت الوجوه أي ذلت " ومن طريق أبي عبيدة قال : " عنت استأسرت " لأن العاني هو الأسير فكأن من فسره بخضعت فسره بلازمه لأن من لازم الأسر الذلة والخضوع غالبا .

قوله : ( وقال لنا سليمان بن حرب إلخ ) هو موصول ، وسليمان من شيوخ البخاري ، وجرت عادة البخاري الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات غالبا وفي المتابعات نادرا ، ولم يصب من قال إنه لا يأتي بها إلا في المذاكرة ، وأبعد من قال إن ذلك للإجازة .

قوله : ( ما رد ابن عمر على أحد وصيته ) يعني أنه كان يقبل وصية من يوصي إليه ، قال ابن التين كأنه كان يبتغي الأجر بذلك لحديث أنا وكافل اليتيم كهاتين الحديث اهـ . وسيأتي في كتاب الأدب مع الكلام عليه ، ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخشى التهمة أو الضعف عن القيام بحقها .

قوله : ( وكان ابن سيرين أحب الأشياء إليه إلخ ) لم أقف عليه موصولا عنه .

قوله : ( وكان طاوس إلخ ) وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن هشام بن حجير بمهملة ثم جيم مصغر عن طاوس أنه " كان إذا سئل عن مال اليتيم يقرأ : ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " .

قوله : ( وقال عطاء إلخ ) وصله ابن أبي شيبة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عنه " أنه سئل عن الرجل يلي أموال أيتام فيهم الصغير والكبير ومالهم جميع لم يقسم ، قال : ينفق على كل إنسان منهم من ماله على قدره " وقد روى عبد بن حميد من طريق قتادة قال " لما نزلت : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن كانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره ، فاشتد عليهم ، فأنزل الله الرخصة وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح وروى الثوري في تفسيره عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير " أن سبب نزول الآية المذكورة لما نزلت : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما عزلوا أموالهم عن أموالهم ، فنزلت : قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم قال فخلطوا أموالهم بأموالهم " وهذا هـو المحفوظ مع إرساله ، وقد وصله عطاء بن السائب بذكر ابن عباس فبه أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وصححه الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " لما نزلت هذه الآية : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن - و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه فشق ذلك عليهم ، فشكوا إلى النبي ذلك فنزلت ويسألونك عن اليتامى الآية " ورواه النسائي من وجه [ ص: 464 ] آخر عن عطاء بن السائب موصولا أيضا وزاد فيه " وأحل لهم خلطهم " وروى عبد بن حميد من طريق السدي عمن حدثه عن ابن عباس قال : " المخالطة أن تشرب من لبنه ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتجنبه " وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال المولى عليه فيشق عليه إفراز طعامه ، فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ، ولما كان ذلك قد تقع فيه الزيادة والنقصان خشوا من ذلك ، فوسع الله عليهم ، وهو نظير النهد حيث وسع عليهم في خلط الأزواد في الأسفار كما تقدم في الشركة . والله أعلم .

قوله : ( باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له ونظر الأم أو زوجها لليتيم ) أورد فيه حديث أنس قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس له خادم ، فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي الحديث ، وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى : أما صدره ففي الجهاد ، وأما بقيته ففي كتاب الأدب .

وعبد العزيز المذكور في الإسناد هو ابن صهيب ، والإسناد كله بصريون . وأبو طلحة كان زوج أم سليم والدة أنس فالحديث مطابق لأحد ركني الترجمة ، وأما الركن الذي قبله وهو نظر الأم فكأنه استفيد من كون أبي طلحة لم يفعل ذلك إلا بعد رضا أم سليم ، أو أشار إلى ما ورد في بعض طرقه " أن أم سليم هي التي أحضرته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما قدم المدينة " وأما أبو طلحة فأحضره إليه لما أراد الخروج إلى غزوة خيبر كما سيأتي ذلك صريحا في " باب من غزا بصبي للخدمة " من كتاب الجهاد ، ومن طريق عمرو بن أبي عمرو عن أنس ، وقد اختلف في حكم ما ترجم به : فعن المالكية للأم وغيرها التصرف في مصالح من في كفالتهم من الأيتام وإن لم يكونوا أوصياء ، واستشكل بعضهم جواز ذلك فإنه يفضي إلى أن اليتيم يشتغل بالخدمة عن التأديب وهو ضد المطلوب ، وجوابه أن انتزاع الحكم المذكور من هذا الخبر يقتضي التقييد بما ورد في الخبر المستدل به وهو أن يكون عند من يؤدبه وينتفع بتأديبه كما وقع لأنس في الخدمة النبوية فإنه استفاد بالمواظبة عليها من الآداب ما فاق غيره ممن أدبه أبوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية