صفحة جزء
باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز

2627 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
[ ص: 477 ] قوله : ( باب إذا وقف أرضا أو بئرا أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين ) هذه الترجمة معقودة لمن يشترط لنفسه من وقفه منفعة ، وقد قيد بعض العلماء الجواز بما إذا كانت المنفعة عامة كما تقدم .

قوله : ( ووقف أنس ) هو ابن مالك ( دارا فكان إذا قدم نزلها ) وصله البيهقي من طريق الأنصاري " حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أنه وقف دارا له بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره " وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتا .

قوله : ( وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق ) وصله الدارمي في مسنده من طريق هشام بن عروة عن أبيه " أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه ، لا تباع ولا توهب ولا تورث ، وأن للمردودة من بناته " فذكر نحوه ، ووقع في بعض النسخ " من نسائه " وصوبها بعض المتأخرين فوهم فإن الواقع بخلافها ، وقوله غير مضرة ولا مضر بها بكسر الضاد الأولى وفتح الثانية .

قوله : ( وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عبد الله بن عمر ) وصله ابن سعد بمعناه وفيه " أنه تصدق بداره محبوسة لا تباع ولا توهب " .

قوله : ( وقال عبدان إلخ ) كذا للجميع قال أبو نعيم ذكره عن عبدان بلا رواية ، وقد وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد المروزي عن عبدان بتمامه ، وأبو إسحاق المذكور في إسناده هو السبيعي ، وأبو عبد الرحمن هو السلمي ، قال الدارقطني تفرد بهذا الحديث عثمان والد عبدان عن شعبة ، وقد اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه زيد بن أبي أنيسة عنه كهذه الرواية أخرجه الترمذي والنسائي ، ورواه عيسى بن يونس عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن عثمان أخرجه النسائي أيضا ، وتابعه أبو قطن عن يونس أخرجه أحمد . قلت : وتفرد عثمان والد عبدان لا يضره فإنه ثقة ، واتفاق شعبة وزيد بن أبي أنيسة على روايته هكذا أرجح من انفراد يونس عن أبي إسحاق ، إلا أن آل الرجل أعرف به من غيرهم فيتعارض الترجيح فلعل لأبي إسحاق فيه إسنادين .

قوله : ( أن عثمان ) أي ابن عفان .

قوله : ( حيث ) في رواية الكشميهني ( حين حوصر ) أي لما حاصره المصريون الذين أنكروا عليه [ ص: 478 ] تولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والقصة مشهورة ، وقد وقع في رواية النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة المذكورة قال : " لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم " الحديث .

قوله : ( أنشدكم الله ) في رواية الأحنف عن النسائي " أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هـو " زاد الترمذي والنسائي من رواية ثمامة بن حزن عن عثمان " أنشدكم الله والإسلام " .

قوله : ( من حفر رومة ) قال ابن بطال : هذا وهم من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها . قلت : هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه : " هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب من مائها إلا بثمن " لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في " الصحابة " من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تبيعنيها بعين في الجنة ؟ فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له ؟ قال : نعم . قال : قد جعلتها للمسلمين وإن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه .

قوله : ( فصدقوه بما قال ) في رواية صعصعة بن معاوية التيمي قال : " أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم فقال : احضروا غدا ، فأشرف عليهم " فذكر الحديث بطوله أخرجه سيف في الفتوح ، وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص ، وزاد الترمذي في رواية زيد بن أبي أنيسة أي عن أبي إسحاق في روايته " هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اثبت حراء ، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا : نعم " وسيأتي هذا من حديث أنس في مناقب عثمان إن شاء الله تعالى .

وفي رواية زيد أيضا ذكر رومة " لم يكن يشرب منها إلا بثمن ، فابتعتها فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل " وزاد النسائي من طريق الأحنف عن عثمان " فقال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك " وزاد في روايته أيضا " وأشياء عددها " فمن تلك الأشياء ما وقع في رواية ثمامة بن حزن المذكورة هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ، ونحوه لإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن حبان من طريق أبي سعيد مولى أبي أسيد عن عثمان في قصة مقتله مطولا ، وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان " أنه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا " ، وزاد في ذكر جيش العسرة " فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما " وللترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أنه جهزهم بثلاثمائة بعير ، ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن سمرة " أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جهز جيش العسرة فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما على عثمان ما عمل به بعد اليوم " وأخرج أسد بن موسى في " فضائل الصحابة " من مرسل قتادة " حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة " وعند أبي يعلى من وجه آخر [ ص: 479 ] ضعيف " فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب " وعند ابن عدي بسند ضعيف جدا عن حذيفة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان عثمان في جيش العسرة فجاء بعشرة آلاف دينار " ولعلها كانت عشرة آلاف درهم ، فتوافق رواية عبد الرحمن بن سمرة من صرف الدينار بعشرة دراهم . ومن تلك الأشياء ما وقع في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عن أحمد والنسائي أنشد الله رجلا شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بيعة الرضوان يقول هذه يد الله وهذه يد عثمان الحديث وسيأتي بيان ذلك في مناقب عثمان من حديث ابن عمر إن شاء الله تعالى .

ومنها ما روى الدارقطني من طريق ثمامة بن حرب عن عثمان أنه قال : " هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي ورضي عني ؟ قالوا : نعم " ومنها ما أخرجه ابن منده من طريق عبيد الحميري قال : " أشرف عثمان فقال : يا طلحة أنشدك الله ، أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فأخذ بيدي فقال : هذا جليسي في الدنيا والآخرة ؟ قال : نعم " وللحاكم في " المستدرك " من طريق أسلم أن عثمان حين حصر قال لطلحة : أتذكر إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن عثمان رفيقي في الجنة ؟ قال : نعم وفي هذا الحديث من الفوائد مناقب ظاهرة لعثمان - رضي الله عنه - ، وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة ، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب .

قوله : ( وقال عمر في وقفه ) تقدم شرحه مستوفى قبل ثلاثة أبواب ، وقد ادعى الإسماعيلي وغيره أنه ليس في أحاديث الباب شيء يوافق ما ترجم به إلا أثر أنس ، وليس كذلك فإن جميع ما ذكره مطابق لها ، فأما قصة أنس فظاهرة في الترجمة ، وأما قصة الزبير فمن جهة أن البنت ربما كانت بكرا فطلقت قبل الدخول فتكون مؤنتها على أبيها فيلزمه إسكانها فإذا أسكنها في وقفه فكأنه اشترط على نفسه رفع كلفه . وأما قصة ابن عمر فتخرج على هذا المعنى لأن الآل يدخل فيهم الأولاد كبارهم وصغارهم . وأما قصة عثمان فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وهو قوله فيما أخرجه الترمذي من طريق ثمامة بن حزن قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله وبالإسلام ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال : من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي الحديث وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الشرب . وأما قصة عمر فقد تقدم لها بخصوصها ، وقد تقدم توجيه ذلك قبل أبواب .

قوله : ( باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى ) أورد فيه حديث أنس في قول بني النجار " لا نطلب ثمنه إلا إلى الله " أورده مختصرا جدا ، وقد تقدم بسنده وزيادة في متنه قبل خمسة أبواب ، قال الإسماعيلي : المعنى أنهم لم يبيعوه ثم جعلوه مسجدا ، إلا أن قول المالك : لا أطلب ثمنه إلا إلى الله لا يصيره وقفا ، [ ص: 480 ] وقد يقول الرجل هذا لعبد فلا يصير وقفا ويقوله للمدبر فيجوز بيعه ، وقال ابن المنير : مراد البخاري أن الوقف يصح بأي لفظ دل عليه إما بمجرده وإما بقرينة والله أعلم ، كذا قال ، وفي الجزم بأن هذا مراده نظر ، بل يحتمل أنه أراد أنه لا يصير بمجرد ذلك وقفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية