صفحة جزء
باب الشهادة سبع سوى القتل

2674 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله
[ ص: 51 ] قوله : ( باب الشهادة سبع سوى القتل ) اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا ، فقال النضر بن شميل : لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة . وقال ابن الأنباري : لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة . وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة . وقيل : لأنه يشهد له بالأمان من النار . وقيل لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا . وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة . وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل .

وقيل : لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة .

وقيل : لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع .

وقيل : لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه .

وقيل : لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره .

وقيل : لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ، ودار الآخرة .

وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار .

وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا . وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره ، وبعضها قد ينازع فيه . وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعودعبد الله بن ثابت " فذكر الحديث وفيه " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا : من يقتل في سبيل الله " وفيه " الشهداء سبعة " سوى القتل في سبيل الله ، فذكر زيادة على حديث أبي هريرة الحريق ، وصاحب ذات الجنب ، والمرأة تموت بجمع . وتوارد مع أبي هريرة في المبطون والمطعون والغريق وصاحب الهدم ، فأما صاحب ذات الجنب فهو مرض معروف ويقال له الشوصة ، وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وسكون الميم ، وقد تفتح الجيم وتكسر أيضا وهي النفساء ; وقيل التي يموت ولدها في بطنها ثم تموت بسبب ذلك ، وقيل التي تموت بمزدلفة وهو خطأ ظاهر ، وقيل التي تموت عذراء والأول أشهر .

قلت : حديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان ، وقد روى مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة شاهدا لحديث جابر بن عتيك ولفظه " ما تعدون الشهداء فيكم " وزاد فيه ونقص . فمن زيادته " ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت نحو حديث جابر بن عتيك ولفظه " وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة " وله من حديث راشد بن حبيش نحوه وفيه " والسل " وهو بكسر المهملة وتشديد اللام ، وللنسائي من حديث عقبة بن عامر " خمس من قبض فيهن فهو شهيد " فذكر فيهم النفساء وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث ابن زيد مرفوعا " من قتل دون ماله فهو شهيد " وقال في الدين والدم والأهل مثل ذلك ، وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعا " من قتل دون مظلمته فهو شهيد " قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث . وقال ابن بطال : لا تخرج هذه الترجمة من الحديث أصلا ، وهذا يدل على أنه مات قبل أن يهذب كتابه . وأجاب ابن المنير بأن ظاهر كلام ابن بطال أن البخاري أراد أن يدخل حديث جابر بن عتيك فأعجلته المنية عن ذلك ، وفيه نظر ، قال : ويحتمل أن يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر وتلك الأسباب اختلفت [ ص: 52 ] الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة ، والذي وافق شرط البخاري الخمسة فنبه بترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى .

وقال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون بعض الرواة - يعني رواة الخمسة - نسي الباقي . قلت : وهو احتمال بعيد ، لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم ، وكذا وقع لأحمد من وجه آخر عنه " والمجنوب شهيد " يعني صاحب ذات الجنب ، والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك .

وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ، فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة ، وتقدم في " باب من ينكب في سبيل الله " حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا " من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى فهو شهيد " وصحح الدارقطني من حديث ابن عمر " موت الغريب شهادة " ولابن حبان من حديث أبي هريرة من مات مرابطا مات شهيدا الحديث وللطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا المرء يموت على فراشه في سبيل الله شهيد وقال ذلك أيضا في المبطون واللديغ والغريق والشريق والذي يفترسه السبع والخار عن دابته وصاحب الهدم وذات الجنب ، ولأبي داود من حديث أم حرام " المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد " ، وقد تقدمت أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة أنه يكتب شهيدا في " باب تمني الشهادة " ويأتي في كتاب الطب حديث فيمن صبر في الطاعون أنه شهيد ، وتقدم حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته وأنه عند الطبراني . وعنده من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح " أن من يتردى من رءوس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد عند الله " ووردت أحاديث أخرى في أمور أخرى لم أعرج عليها لضعفها ، قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء . قلت : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي ، وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه وروى الحسن بن علي الحلواني في " كتاب المعرفة " له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد " غير أن الشهادة تتفاضل وسيأتي شرح كثير من هذه الأمراض المذكورة في كتاب الطب ، وكذا الكلام على حديث أنس في الطاعون إن شاء الله تعالى . ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان : شهيد الدنيا ، وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا . وشهيد الآخرة وهو من ذكر ، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا .

وفي حديث العرباض بن سارية عند النسائي وأحمد ولأحمد من حديث عتبة بن عبد نحوه مرفوعا يختصم الشهداء والمتوفون على الفراش في الذين يتوفون من الطاعون فيقول : انظروا إلى جراحهم ، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم ومنهم ، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم وإذا تقرر ذلك فيكون إطلاق الشهداء على غير المقتول في سبيل الله مجازا ، فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز فقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية والله أعلم .

[ ص: 53 ] قوله : ( الشهداء خمسة - ثم قال - والشهيد في سبيل الله ) قال الطيبي : يلزم منه حمل الشيء على نفسه لأن قوله : خمسة " خبر للمبتدإ والمعدود بعده بيان له ، وأجاب بأنه من باب قول الشاعر

أنا أبو النجم وشعري شعري

. ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول ، فكأنه قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد ، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك " الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله " ويجوز أن يكون الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره .

التالي السابق


الخدمات العلمية