صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب بدء الخلق باب ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه قال الربيع بن خثيم والحسن كل عليه هين هين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق أفعيينا أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم لغوب النصب أطوارا طورا كذا وطورا كذا عدا طوره أي قدره

3018 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا بني تميم أبشروا قالوا بشرتنا فأعطنا فتغير وجهه فجاءه أهل اليمن فقال يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش فجاء رجل فقال يا عمران راحلتك تفلتت ليتني لم أقم
[ ص: 330 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، كتاب بدء الخلق ) كذا للأكثر وسقطت البسملة لأبي ذر وللنسفي " ذكر " بدل كتاب ، وللصغاني " أبواب " بدل كتاب . و " وبدء الخلق " بفتح أوله وبالهمزة أي ابتداؤه والمراد خلق المخلوقات .

[ ص: 331 ] قوله : ( باب ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وقال الربيع بن خثيم ) بالمعجمة والمثلثة مصغر ، وهو كوفي من كبار التابعين ، والحسن هو البصري .

قوله : ( كل عليه هين ) أي البدء والإعادة ، أي أنهما حملا أهون على غير التفضيل وأن المراد بها الصفة كقوله الله أكبر وكقول الشاعر

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

أي وإني لوجل ، وأثر الربيع وصله الطبري من طريق منذر الثوري عنه نحوه ، وأما أثر الحسن فروى الطبري أيضا من طريق قتادة وأظنه عن الحسن ولكن لفظه " وإعادته أهون عليه من بدئه ، وكل على الله هين ، وظاهر هذا اللفظ إبقاء صيغة أفعل على بابها ، وكذا قال مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وقد ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يقرؤها " وهو عليه هين ، وحكى بعضهم عن ابن عباس أن الضمير للمخلوق لأنه ابتدئ نطفة ثم علقة ثم مضغة ، والإعادة أن يقول له كن فيكون ، فهو أهون على المخلوق ، انتهى . ولا يثبت هذا عن ابن عباس بل هو من تفسير الكلبي كما حكاه الفراء ، لأنه يقتضي تخصيصه بالحيوان ولأن الضمير الذي بعده وهو قوله : وله المثل الأعلى يصير معطوفا على غير المذكور قبله قريبا . وقد روى [ ص: 332 ] ابن أبي حاتم عن ابن عباس بإسناد صحيح في قوله : أهون عليه أيسر . وقال الزجاج : خوطب العباد بما يعقلون لأن عندهم أن البعث أهون من الابتداء فجعله مثلا وله المثل الأعلى ، وذكر الربيع عن الشافعي في هذه الآية قال هو أهون عليه أي في القدرة عليه ، لا أن شيئا يعظم على الله ، لأنه يقول لما لم يكن كن فيخرج متصلا ، وأخرجه أبو نعيم ، وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن الضحاك وإليه نحا الفراء ، والله أعلم

قوله : ( وهين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق ) الأول بالتشديد والثاني بالتخفيف في الجميع ، قال أبو عبيدة في تفسير الفرقان في قوله تعالى فأحيينا به بلدة ميتا هي مخففة بمنزلة هين ولين وضيق بالتخفيف فيها والتشديد ، وسيأتي ذلك أيضا في آخر تفسير سورة النحل ، وعن ابن الأعرابي : أن العرب تمدح بالهين اللين مخففا وتذم بهما مثقلا ، فالهين بالتخفيف من الهون وهو السكينة والوقار ومنه ( يمشون هونا ) وعينه واو ، بخلاف الهين بالتشديد .

قوله : أفعيينا أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم . كأنه أراد أن معنى قوله : ( أفعيينا ) استفهام إنكار ، أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم ، وكأنه عدل عن التكلم إلى الغيبة لمراعاة اللفظ الوارد في القرآن في قوله تعالى هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وقد روى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول يقول : أفأعيا علينا إنشاؤكم خلقا جديدا فتشكوا في البعث وقال أهل اللغة : عييت بالأمر إذا لم أعرف وجهه ، ومنه العي في الكلام .

قوله : ( لغوب النصب ) أي تفسير قوله : وما مسنا من لغوب أي من نصب ، والنصب التعب وزنا ومعنى ، وهذا تفسير مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم ، وأخرج من طريق قتادة قال : أكذب الله جل وعلا اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع فقال وما مسنا من لغوب أي من إعياء ، وغفل الداودي الشارح فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد وأنه أراد ضبط اللغوب فقال متعقبا عليه ، لم أر أحدا نصب اللام في الفعل ، قال وإنما هو بالنصب الأحمق .

قوله : ( أطوارا طورا كذا وطورا كذا ) يريد تفسير قوله تعالى وقد خلقكم أطوارا والأطوار الأحوال المختلفة واحدها طور بالفتح ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في معنى الأطوار كونه مرة نطفة ومرة علقة إلخ ، وأخرج الطبري عن ابن عباس وجماعة نحوه وقال : المراد اختلاف أحوال الإنسان من صحة وسقم ، وقيل معناه أصنافا في الألوان واللغات . ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث : أحدها حديث عمران بن حصين .

قوله : ( عن صفوان بن محرز عن عمران ) في رواية أبي عاصم عن سفيان في المغازي " حدثنا صفوان حدثنا عمران " .

قوله : ( جاء نفر من بني تميم ) يعني وفدهم وسيأتي بيان وقت قدومهم ومن عرف منهم في أواخر المغازي

قوله : ( أبشروا ) بهمزة قطع من البشارة .

قوله : ( فقالوا بشرتنا ) القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس ، ذكره ابن الجوزي .

[ ص: 333 ] قوله : ( فتغير وجهه ) إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا ، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به ، أو لكل منهما .

قوله : ( فجاءه أهل اليمن ) هم الأشعريون قوم أبي موسى ، وقد أورد البخاري حديث عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك . ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن هنا نافع بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير ، وقد ذكرت مستند ذلك في " باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن " وأن هذا هو السر في عطف أهل اليمن على الأشعريين مع أن الأشعريين من جملة أهل اليمن ، لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفا ولكل منهما قصة غير قصة الآخرين وقع العطف .

قوله : ( اقبلوا البشرى ) بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم به بالجنة ، كالفقه في الدين والعمل به ، وحكى عياض أن في رواية الأصيلي " اليسرى " بالتحتانية والمهملة ، قال : والصواب الأول .

قوله : ( إذ لم يقبلها ) في الرواية الأخرى " أن لم يقبلها " وهو بفتح " أن " أي من أجل تركهم لها ويروى بكسر إن .

قوله : ( فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش ) ، أي عن بدء الخلق وعن حال العرش ، وكأنه ضمن " يحدث " معنى يذكر ، وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات ، فعلى الأول يقتضي السياق أنه أخبر أن أول شيء خلق منه السماوات والأرض ، وعلى الثاني يقتضي أن العرش والماء تقدم خلقهما قبل ذلك ، ووقع في قصة نافع بن زيد " نسألك عن أول هذا الأمر " .

التالي السابق


الخدمات العلمية