صفحة جزء
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وقال إبراهيم لا بأس أن تقرأ الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وقالت أم عطية كنا نؤمر أن يخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة الآية وقال عطاء عن جابر حاضت عائشة فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ولا تصلي وقال الحكم إني لأذبح وأنا جنب وقال الله عز وجل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه

299 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت لوددت والله أني لم أحج العام قال لعلك نفست قلت نعم قال فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري
[ ص: 486 ] قوله : ( باب تقضي الحائض ) أي تؤدي ( المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ) قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات ، بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها ، فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها إلا الطواف فقط . وفي كون هذا مراده نظر ; لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه ، والأحسن ما قالهابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره : إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف ، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة ، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك ، فكذلك الجنب ; لأن حدثها أغلظ من حدثه ، ومنع القراءة إن كان لكونه ذكرا لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر ، وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ، ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك ، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه ، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث " كان يذكر الله على كل أحيانه " ; لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره ، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف .

والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة ، وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي بأن منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه ، وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ أربعة لا يقرءون القرآن : الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام ، إلا الآية ونحوها للجنب والحائض ، وروي عن مالك نحو قول إبراهيم وروي عنه الجواز مطلقا وروي عنه الجواز للحائض دون الجنب ، وقد قيل إنه قول الشافعي في القديم ، ثم أورد أثر ابن عباس ، وقد وصله ابن المنذر بلفظ " إن عباسا كان يقرأ ورده وهو جنب " وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين . وقوله فيه " ويدعون " كذا لأكثر الرواة ، وللكشميهني " يدعين " بياء تحتانية بدل الواو ، ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها ، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره ، ووجه الدلالة منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب ، كأنه يقول : إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءته ، كذا قاله ابن رشيد .

وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث إنه إنما كتب إليهم ليقرءوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط ، وقد أجاب من منع ذلك - وهم الجمهور - بأن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين ، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور ; لأنه لا يقصد منه التلاوة ، ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ ، وقال به كثير من الشافعية ، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين ، قال الثوري : لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه ، وأكره أن يعلمه الآية هو كالجنب ، وعن [ ص: 487 ] أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه ، وعنه إن رجى منه الهداية جاز وإلا فلا ، وقال بعض من منع : لا دلالة في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن ; لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف أن الذي يقرؤه قرآن ، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع ، وكذلك الكافر . وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى .

( تنبيه ) : ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا ( ويا أهل الكتاب ) بزيادة واو قال : وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب . قلت فأفهم أن الأولى خطأ لكونها مخالفة للتلاوة ، وليست خطأ ، وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي .

قوله : ( وقال عطاء عن جابر ) هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفي آخره غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي ، وأما أثر الحكم - وهو الفقيه الكوفي - فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي بن الجعد عن شعبة عنه ، ووجه الدلالة منه أن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها ، وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره ، ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه . واستدل الجمهور على المنع بحديث علي " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحجبه عن القرآن شيء ، ليس الجنابة " رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان ، وضعف بعضهم بعض رواته ، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة ، لكن قيل : في الاستدلال به نظر ; لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه ، وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة ، وأما حديث ابن عمر مرفوعا " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " فضعيف من جميع طرقه ، وقد تقدم الكلام على حديث عائشة في أول كتاب الحيض ، وقولها " طمثت " بفتح الميم وإسكان المثلثة أي حضت ، ويجوز كسر الميم يقال طمثت المرأة بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية