صفحة جزء
3102 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته
الثامن حديث " يأتي الشيطان " .

قوله : ( من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) أي عن الاسترسال معه في ذلك ، بل يلجأ إلى الله في دفعه ، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة ، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها ، قال الخطابي : وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع ، قال : وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان ، قال : والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور ، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع ، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء ، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة ، نعوذ بالله من ذلك . قال الخطابي : على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا ، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال ، [ ص: 393 ] وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث . فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات ، انتهى . والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر ، لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره . وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال : سألني عنها اثنان ، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا ، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات . قال المازري : الخواطر على قسمين : فالتي لا تستقر ولا يجليها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها ، وعلى هذا ينزل الحديث ، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة ، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال وقال الطيبي : إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة ، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة ، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به ، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه ، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع ، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية