صفحة جزء
باب قوله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا قال أبو عبيد كلمته كن فكان وقال غيره وروح منه أحياه فجعله روحا ولا تقولوا ثلاثة

3252 حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة بن أبي أمية عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل قال الوليد حدثني ابن جابر عن عمير عن جنادة وزاد من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء
[ ص: 547 ] قوله : ( باب قوله تعالى : ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم - إلى - وكيلا ) قال عياض : وقع في رواية الأصيلي قل يا أهل الكتاب ولغيره بحذف " قل " وهو الصواب . قلت . هذا هو الصواب في هذه الآية التي هي من سورة النساء لكن قد ثبت " قل " في الآية الأخرى في سورة المائدة قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق الآية ، ولكن مراد المصنف آية سورة النساء بدليل إيراده لتفسير بعض ما وقع فيها فالاعتراض متجه .

قوله : ( قال أبو عبيد كلمته كن فكان ) هكذا في جميع الأصول ، والمراد به أبو عبيد القاسم بن سلام ، ووقع نظيره في كلام أبي عبيدة معمر بن المثنى ، وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله .

قوله : ( وقال غيره : وروح منه أحياه فجعله روحا ) هو قول أبي عبيدة ، قال في قوله تعالى : وكلمته ألقاها إلى مريم قوله كن فكان ، وروح منه الله تبارك وتعالى أحياه فجعله روحا ولا تقولوا ثلاثة : أي لا تقولوا هم ثلاثة .

قوله : ولا تقولوا ثلاثة هو بقية الآية التي فسرها أبو عبيدة .

قوله : ( عن الأوزاعي ) في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن الوليد " حدثنا الأوزاعي " .

قوله : ( عن عبادة ) هو ابن الصامت ، في رواية ابن المديني المذكورة " حدثني عبادة " وفي رواية مسلم عن جنادة " حدثنا عبادة بن الصامت " .

قوله : ( وأن عيسى عبد الله ورسوله ) زاد ابن المديني في روايته " وابن أمته " قال القرطبي : مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى من الضلال في عيسى وأمه ، ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم ، قال النووي : هذا حديث عظيم الموقع ، وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد ; فإنه جمع فيه ما يخرج عنه جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم . وقال غيره : في ذكر عيسى تعريض بالنصارى وإيذان بأن إيمانهم مع قولهم بالتثليث شرك محض ، وكذا قوله : " عبده " وفي ذكر " رسوله " تعريض باليهود في إنكارهم رسالته وقذفه بما هو منزه عنه وكذا أمه ، وفي قوله : " وابن أمته " تشريف له ، وكذا تسميته بالروح ووصفه بأنه " منه " كقوله تعالى : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فالمعنى أنه كائن منه كما أن معنى الآية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه ، أي أنه مكون كل ذلك وموجده بقدرته وحكمته . وقوله : وكلمته إشارة إلى أنه حجة الله على عباده أبدعه من غير أب وأنطقه في غير أوانه وأحيا الموتى على يده ، وقيل : سمي كلمة الله لأنه أوجده بقوله كن ، فلما كان بكلامه سمي به كما يقال سيف الله وأسد الله ، وقيل : لما قال في صغره إني عبد الله ، وأما تسميته بالروح فلما كان أقدره عليه من إحياء [ ص: 548 ] الموتى ، وقيل لكونه ذا روح وجد من غير جزء من ذي روح . وقوله : أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة شاء >[1] يقتضي دخوله الجنة وتخييره في الدخول من أبوابها ، وهو بخلاف ظاهر حديث أبي هريرة الماضي في بدء الخلق فإنه يقتضي أن لكل داخل الجنة بابا معينا يدخل منه ، قال : ويجمع بينهما بأنه في الأصل مخير ، لكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره . قلت : ويحتمل أن يكون فاعل شاء هو الله ، والمعنى أن الله يوفقه لعمل يدخله برحمة الله من الباب المعد لعامل ذلك العمل .

قوله : ( قال الوليد ) هو ابن مسلم ، وهو موصول بالإسناد المذكور ، وقد أخرجه مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر وحده به ولم يذكر الأوزاعي ، وأخرجه من وجه آخر عن الأوزاعي .

قوله : ( عن جنادة وزاد ) أي عن جنادة عن عبادة بالحديث المذكور وزاد في آخره ، وكذا أخرجه مسلم بالزيادة ولفظه أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الجنة من بدء الخلق ، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بدخول جميع الموحدين الجنة في كتاب الإيمان بما أغنى عن إعادته . ومعنى قوله : " على ما كان من العمل " أي من صلاح أو فساد ، لكن أهل التوحيد لا بد لهم من دخول الجنة ، ويحتمل أن يكون معنى قوله : " على ما كان من العمل " أي يدخل أهل الجنة الجنة على حسب أعمال كل منهم في الدرجات .

( تنبيه ) :

وقع في رواية الأوزاعي وحده فقال في آخره : أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل بدل قوله في رواية ابن جابر : من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وبينه مسلم في روايته ، وأخرج مسلم من هذا الحديث قطعة من طريق الصنابحي عن عبادة من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله حرم الله عليه النار وهو يؤيد ما سيأتي ذكره في الرقاق في شرح حديث أبي ذر أن بعض الرواة يختصر الحديث ، وأن المتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد ، فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث . قال البيضاوي في قوله " على ما كان عليه من العمل " دليل على المعتزلة من وجهين : دعواهم أن العاصي يخلد في النار وأن من لم يتب يجب دخوله في النار ، لأن قوله : " على ما كان من العمل " حال من قوله : " أدخله الله الجنة " والعمل حينئذ غير حاصل ، ولا يتصور ذلك في حق من مات قبل التوبة إلا إذا أدخل الجنة قبل العقوبة . وأما ما ثبت من لازم أحاديث الشفاعة أن بعض العصاة يعذب ثم يخرج فيخص به هذا العموم ، وإلا فالجميع تحت الرجاء ، كما أنهم تحت الخوف . وهذا معنى قول أهل السنة : إنهم في خطر المشيئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية