صفحة جزء
3317 باب حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوما ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار
[ ص: 624 ] قوله : ( باب ) كذا هو بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ، ووجه تعلقه به من الحديثين الأولين ظاهر وهو الزجر عن الادعاء إلى غير الأب الحقيقي ، لأن اليمن إذا ثبت نسبهم إلى إسماعيل فلا ينبغي لهم أن ينسبوا إلى غيره ،

وأما الحديث الثالث فله تعلق بأصل الباب وهو أن عبد القيس ليسوا من مضر ، وأما الرابع فللإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه من الزيادة بذكر ربيعة ومضر .

فأما الحديث الأول وهو حديث أبي ذر فقوله في الإسناد " عن الحسين " هو ابن واقد المعلم ، ووقع في رواية مسلم " حدثنا حسين المعلم " وقوله : " عن أبي ذر " في رواية الإسماعيلي " حدثني أبو ذر " وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق ، وقوله : " ليس من رجل " من زائدة ، والتعبير بالرجل للغالب وإلا فالمرأة كذلك حكمها .

قوله : ( ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله ) كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله : " بالله " في غير رواية أبي ذر ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي وهو أولى ، وإن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم ، وعلى الرواية المشهورة فالمراد كفر النعمة ، وظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك ، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر ، وقد تقدم تقرير هذه المسألة في كتاب الإيمان ، وقوله : ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار في رواية مسلم والإسماعيلي ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار وهو أعم مما [ ص: 625 ] تدل عليه رواية البخاري ، على أن لفظة " نسب " وقعت في رواية الكشميهني دون غيره ومع حذفها يبقى متعلق الجار والمجرور محذوفا فيحتاج إلى تقدير ، ولفظ نسب أولى ما قدر لوروده في بعض الروايات ، وقوله : " فليتبوأ " أي ليتخذ منزلا من النار ، وهو إما دعاء أو خبر بلفظ الأمر ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي ، وقد يعفى عنه ، وقد يتوب فيسقط عنه ، وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان >[1] في حديث من كذب علي وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره ، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتا ونفيا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له ، وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه ، ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي ، فيدخل فيه الدعاوى الباطلة كلها مالا وعلما وتعلما ونسبا وحالا وصلاحا ونعمة وولاء وغير ذلك ، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك ، واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيحهم الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له ، والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة ، قال : وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد ، وإنما المقصود إيصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر ، وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية