صفحة جزء
باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة وبه قال عطاء وقال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله يتيمم وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النعم فصلى ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد

330 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال سمعت عميرا مولى ابن عباس قال أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهيم الأنصاري أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام
[ ص: 526 ] قوله : ( باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة ) جعله مقيدا بشرطين : خوف خروج الوقت وفقد الماء ، ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه .

قوله : ( وبه قال عطاء ) أي بهذا المذهب ، وقد وصله عبد الرزاق من وجه صحيح ، وابن أبي شيبة من وجه آخر ، وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة .

قوله : ( وقال الحسن ) وصله إسماعيل القاضي في الأحكام من وجه صحيح ، وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا : لا يتيمم ما رجا أن يقدر على الماء في الوقت . ومفهومه يوافق ما قبله .

قوله : ( وأقبل ابن عمر ) قال الشافعي : " أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف ، حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر " ، وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف ، ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب . وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مختصرا ، لكن ذكر فيه أنه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين . وأخرجه الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن إسناده ضعيف .

والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو . وقال ابن إسحاق : هو على فرسخ من المدينة ، والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة ، وحكى ابن التين أنه روي بفتح أوله ، وهو من المدينة على ميل . وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر ; لأن مثل هذا لا يسمى سفرا ، وبهذا يناسب الترجمة . وظاهره أن ابن عمر لم يراع خروج الوقت ; لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة ، لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل إلا بعد خروج الوقت ، ويحتمل أيضا أن ابن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء ، وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة إلا بجامع ما بينهما من التيمم في الحضر ، وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر ; لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق ، وقد اختلف السلف في أصل المسألة ، فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر ، ووجهه ابن بطال بأن التيمم إنما ورد في المسافر والمريض لإدراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر إذا لم يقدر على الماء قياسا .

وقال الشافعي : تجب عليه الإعادة لندور ذلك . وعن أبي يوسف وزفر : لا يصلي إلى أن يجد الماء ولو خرج الوقت .

قوله : ( عن جعفر بن ربيعة ) في رواية الإسماعيلي " حدثني جعفر " ، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه الأعلى مدنيون .

قوله : ( سمعت عميرا مولى ابن عباس ) هو ابن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل بنت الحارث والدة ابن عباس ، وقد روى ابن إسحاق هذا الحديث فقال " مولى عبيد الله بن عباس " ، وإذا كان مولى أم الفضل [ ص: 527 ] فهو مولى أولادها . وروى موسى بن عقبة وابن لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب إثباته ، وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل ، ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران .

قوله : ( أقبلت أنا وعبد الله بن يسار ) هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور ، ووقع عند مسلم في هذا الحديث " عبد الرحمن بن يسار " وهو وهم ، وليس له في هذا الحديث رواية ، ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين .

قوله : ( على أبي جهيم ) قيل اسمه عبد الله ، وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه قال : يقال هو الحارث بن الصمة ، فعلى هذا لفظة " ابن " زائدة بين أبي جهيم والحارث ، لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه ، وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا جهيم ، وقال ابن منده " عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة " فجعل الحارث اسم جده ، ولم يوافق عليه ، وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة فيه . والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو ابن عمرو بن عتيك الخزرجي ، ووقع في مسلم " دخلنا على أبي الجهم " بإسكان الهاء والصواب أنه بالتصغير ، وفي الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الإنبجانية ، وهو غير هذا ; لأنه قرشي وهذا أنصاري ، ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما .

قوله : ( من نحو بئر جمل ) أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك ، وهو معروف بالمدينة ، وهو بفتح الجيم والميم ، وفي النسائي بئر الجمل وهو من العقيق .

قوله : ( فلقيه رجل ) هو أبو الجهيم الراوي ، بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث من طريق أبي الحويرث عن الأعرج .

قوله : ( حتى أقبل على الجدار ) وللدارقطني من طريق ابن إسحاق عن الأعرج " حتى وضع يده على الجدار " وزاد الشافعي " فحته بعصا " ، وهو محمول على أن الجدار كان مباحا ، أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه .

قوله : ( فمسح بوجهه ويديه ) وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث " فمسح بوجهه وذراعيه " كذا للشافعي من رواية أبي الحويرث ، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود ، لكن خطأ الحفاظ روايته في رفعه وصوبوا وقفه ، وقد تقدم أن مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح ، والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ " يديه " لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف ، وسيأتي ذكر الخلاف في إيجاب مسح الذراعين بعد بباب واحد ، قال النووي : هذا الحديث محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عادما للماء حال التيمم . قال : وهو مقتضى صنيع البخاري ، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب ، وهو إرادة ذكر الله ; لأن لفظ السلام من أسمائه ، وما أريد به استباحة الصلاة . وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام - مع جوازه بدون الطهارة - فمن خشي فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة ، وقيل يحتمل أنه لم يرد - صلى الله عليه وسلم - بذلك التيمم رفع الحدث ، ولا استباحة محظور ، وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر ، أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع [ ص: 528 ] تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم ، واستدل به ابن بطال على عدم اشتراط التراب قال : ; لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار تراب ، ونوقض بأنه غير معلوم بل هو محتمل ، وقد سيق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب ، ولهذا احتاج إلى حته بالعصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية